«كوفيد ـ 19».. فرصة لمجموعة الـ 20

03:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فايز فرحات *

منذ نشأتها في عام 1999، لم ينقطع الجدل حول مستقبل مجموعة العشرين، وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي، وقد حافظت على استمرار هذا الجدل، عوامل عدة، يتعلق أهمها بطبيعة تركيب المجموعة التي تضم عدداً من الاقتصادات الكبرى والناشئة، التي تتبنى أجندة إصلاحية للمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
اكتسبت هذه التوجهات زخماً ومصداقية كبرى في ظل وقوف الصين - عضو المجموعة وثاني أكبر اقتصاد في العالم- وراء هذا التوجه، ونجاحها في خلق كتلة دولية داعمة له، ووضع تصورات لإصلاحات محددة من داخل المجموعة، ورفعها إلى صندوق النقد الدولي؛ لتحويلها إلى سياسات إصلاحية، وكان المثال الأبرز لهذا الدور ما عُرف بالمراجعة ال14 لهيكل صندوق النقد، والتي تم تنفيذها بالفعل، لتنتقل المجموعة بعد ذلك إلى القيام بدور مماثل في إطار المراجعة ال15 الجارية للصندوق. المجموعات الأخرى
هذا الثقل النسبي الذي حظيت به المجموعة؛ فتح المجال أمام الحديث عن سيناريوهات عدة حول مستقبل العلاقة بينها وبين المجموعات الاقتصادية الدولية التاريخية (خاصة مجموعة السبع الصناعية)، ومؤسسات «بريتون وودز» (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، وطُرحت في هذا الإطار سيناريوهات عدة؛ منها: احتمال اختفاء مجموعة السبع، أو حدوث نوع من التخصص وتقسيم العمل بين المجموعتين، كما واجهت مؤسسات «بريتون وودز» تحديات عدة على خلفية ظهور بعض المؤسسات الدولية متعددة الأطراف التي حظيت الصين بالثقل الأكبر داخلها، إلى جانب استنادها إلى فلسفة عمل مغايرة لتلك التي تستند عليها مؤسسات «بريتون وودز»، المثال الأبرز هنا هو «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، الذي بدأ العمل بشكل رسمي في ديسمبر/‏كانون الأول عام 2015، ويدعم كل سيناريو من هذه السيناريوهات عدداً من المؤشرات.

التحدي الجديد

في ظل هذا الزخم، وهذه السيناريوهات المتفائلة حول مستقبل مجموعة العشرين، جاءت جائحة «كوفيد-19»، لتمثل تحدياً مهماً للمجموعة، واختباراً جديداً لمصداقيتها وقدرتها على التأقلم مع التحديات الاقتصادية الطارئة، كان المخطط أ
ن تُعقد القمة السنوية الدورية للمجموعة في نوفمبر/‏تشرين الثاني القادم بالعاصمة السعودية، الرياض؛ لكن في ظل جائحة «كوفيد-19» لجأت المجموعة إلى عقد قمة استثنائية عبر آلية الفيديو (كونفرانس) يوم الخميس الماضي (26 مارس/‏آذار)؛ لمناقشة بند رئيسي يتعلق بدور المجموعة في مواجهة هذه الجائحة غير المتوقعة.
لقد توزعت الإجراءات المعلنة من جانب المجموعة؛ للتعامل مع الجائحة إلى نوعين رئيسيين من الإجراءات؛ الأول، هو الإجراءات المالية، وشملت الالتزام بضخ خمسة تريليونات دولار؛ لتمويل حزمة الإجراءات المتخذة؛ للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، وتكليف وزراء مالية المجموعة إلى جانب محافظي بنوكها المركزية بتطوير خطة عمل تفصيلية؛ للتعامل مع الأزمة، والتنسيق مع المنظمات الدولية الأخرى؛ لتوفير المساعدات المالية اللازمة في أسرع وقت ممكن، كما شملت هذه الفئة من الإجراءات العمل على ضمان تدفق الإمدادات الطبية الحيوية والمنتجات الزراعية والسلع والخدمات المهمة، والعمل على حل مشكلات الاضطرابات الجارية في سلاسل التوريد الدولية، وتكليف وزراء تجارة المجموعة بإجراء تقييم شامل لتأثير الوباء على التجارة الدولية، إلى جانب تأكيد التزام المجموعة بضمان حرية التجارة والأسواق المفتوحة.

إجراءات صحية

النوع الثاني، من الإجراءات تعلق بتنسيق العمل المشترك؛ لمواجهة الجائحة في جانبها الصحي،
شمل ذلك الالتزام بتشارك المعلومات ذات الصلة بالجائحة، خاصة المعلومات ذات الصلة بعمليات البحث العلمي الجارية، وتعزيز النظم الصحية على الصعيد العالمي، بما في ذلك التنفيذ الكامل لأنظمة وبروتوكولات منظمة الصحة العالمية، والتوسع في القدرات التصنيعية للإمدادات الطبية، وضمان إتاحتها على نطاق واسع وبأسعار معقولة وبشكل عادل، وتكليف وزراء صحة دول المجموعة بالاجتماع، كلما اقتضت الحاجة ذلك، والعمل على تطوير خطة تفصيلية للمجموعة؛ لمواجهة هذا الوباء.
كما شملت هذه الإجراءات العمل على سد العجز القائم في تمويل البرامج العاجلة لمنظمة الصحة العالمية؛ لمواجهة الوباء على المدى القصير، وأكدت القمة، العمل على تقوية الأنظمة الصحية، وأنظمة إنتاج المستلزمات الطبية ذات الصلة، والعمل على إنشاء مبادرة عالمية؛ للتصدي للأوبئة، على أن تكون هذه المبادرة منصة عالمية لتنسيق وتمويل الجهود الدولية؛ لتسريع الوصول إلى اللقاحات والدواء المناسب.

أسئلة

على الرغم من أهمية هذه الإجراءات؛ لكنها اتسمت بالغموض في نواح عدة، فمن ناحية، لم تحدد
القمة مصادر توفير الالتزام المالي الأهم المعلن عنه؛ لتمويل حزمة الإجراءات المالية؛ لتخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية (5 تريليونات دولار)، خاصة في ظل التأثيرات السلبية المتوقعة للأزمة على الاقتصادات الأساسية بالمجموعة، خاصة الصين والولايات المتحدة ودول السبع الصناعية، كما لم تحدد القمة طبيعة الاقتصادات المستفيدة من هذا المبلغ، الأمر الذي يشير إلى أن الاحتمال الأكبر هو اعتماد المجموعة على آلية العمل الطوعي في تحديد حجم الأموال المرصودة من جانب كل طرف، وتوجيهها إلى الاقتصادات المحلية ذاتها.
وعلى الرغم من نجاح الصين في إدارة أزمة «كوفيد-19»، وتزايد احتمالات سرعة تعافي الاقتصاد الصيني مع بدء الربع الثاني من العام الجاري، مقابل استمرار الأزمة في أوروبا والولايات
المتحدة لفترة قادمة متوقعة، الأمر الذي يفسح المجال أمام دور صيني أكبر داخل المجموعة، وإعادة هيكلة أجندتها بما يخدم هذا الدور، ويحافظ عليه داخل النظام الاقتصادي العالمي؛ لكن ليس من المتوقع أن تكون هذه المهمة سهلة، خاصة في حالة استمرار إدارة ترامب، الأمر الذي قد يعمق من حالة الاستقطاب والصراع بين الجانبين داخل المجموعة.
لكن مع ذلك، فإن عقد القمة بشكل استثنائي في هذا التوقيت، فضلاً عن الإعلان عن قائمة العمل السابقة؛ يعكس سعي المجموعة إلى التأقلم السريع مع هذا النمط من التهديدات غير التقليدية بتأثيراتها الخطرة المتوقعة على الاقتصاد العالمي، وعلى حجم تدفقات التجارة والاستثمار؛ بل وعلى نمط العولمة الاقتصادية السائدة وفي القلب منها مبادئ حرية التجارة وحرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفراد، وهو ما يعكسه تأكيد البيان الصادر عن القمة بالتزام المجموعة بضمان حرية التجارة والأسواق المفتوحة.

* رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"