جائزة الشارقة للتأليف المسرحي تفسح المجال أمام الكاتب الإماراتي

تسعى إلى تفعيل المشهد المسرحي
04:35 صباحا
قراءة 8 دقائق

تتعدد الجوائز التكريمية والتشجيعية في المشهد الثقافي في الإمارات، وإذا كانت التكريمية تمنح لكبار الكتاب والأدباء والنقاد في الساحة الثقافية والإبداعية العربية فإن الجوائز التشجيعية قد خصصت لدعم الكتاب والمواهب الابداعية وعونها وتحفيزها على الاستمرارية، ومن أهم هذه الجوائز التشجيعية تطل جائزة الشارقة للتأليف المسرحي التي تنظمها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بناء على توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقد خصصت للكتاب المسرحيين الإماراتيين من الجنسين، بهدف افساح المجال أمام أصحاب موهبة الكتابة والتأليف في مجال المسرح لدعم ورفد الحركة الثقافية والمسرحية في الإمارات، وهي تقف جنباً إلى جنب مع جائزة جمعية المسرحيين للتأليف المسرحي والتي تفسح المجال أمام الكتاب الإماراتيين والعرب من المقيمين في الدولة لتقديم ونشر أعمالهم المسرحية الابداعية.

أعلنت لجنة التحكيم في جائزة الشارقة للتأليف المسرحي مؤخراً نتائج الدورة الحالية، وفازت بها كوكبة من الأسماء المشهود لها في عالم التأليف المسرحي حيث حصلت مسرحية انفجار للكاتب اسماعيل عبدالله على المركز الأول، ونالت مسرحية رجل لباسمة يونس الجائزة الثانية، وفاز الفنان عبدالله صالح بالجائزة الثالثة عن مسرحيته سكان، بينما فاز نجيب الشامسي بالجائزة الرابعة عن مسرحيته جلفار ونال محمد حسن أحمد الجائزة الخامسة عن مسرحيته اليوع كافر بينما حصد الكاتب سالم الحتاوي الجائزة السادسة عن مسرحيته حكاية رأس وجسد.

ورغم أن قرار لجنة التحكيم المعلن قد أشار إلى ضعف حجم المشاركة في الجائزة، إلا أنها نوهت بأهمية التركيز الإعلامي والترويج للجائزة، إلى جانب إقامة وتنظيم الورش المتخصصة في الكتابة المسرحية والدراماتورجية والسيناريو المسرحي بما يخدم الكتابة المسرحية في الإمارات.

ونحاول هنا إلقاء الضوء على فاعلية هذه الجائزة وأهميتها في رفد الحركة المسرحية بالكتابات الشابة والواعدة التي تسهم في تقوية البنية الدرامية فنياً وتركز على الموضوعات الاجتماعية المعاصرة التي أصبحت من الاشكاليات التي تواجه المجتمع الإماراتي وسط المتغيرات التي تحدث من حوله، وذلك من خلال اللقاء مع بعض الفائزين بجائزة الشارقة للتأليف المسرحي، إلى جانب بعض العاملين في الحركة المسرحية، للاطلاع على أهمية الجائزة من جهة، ودورها في تفعيل المشهد المسرحي في الإمارات من جهة أخرى.

يقول محمد حسن أحمد (كاتب سيناريست) ومؤلف مسرحي: أنا كحالة خاصة بي لا أكتب النص المسرحي من أجل الجوائز، ومشاركتي هي تحصيل حاصل بالنسبة لي، لأنني أخوض تجربة الكتابة المسرحية إلى جانب الكتابة في مجال السينما، وأسعى من خلال تجربتي لكتابة النص المغاير في المجالين، لإيماني بحاجتنا في الواقع المعيش إلى التجديد ومواكبة الاشكاليات التي تواجه مجتمعنا، وأعتبر أن الكتابة سواء في المسرح أو السينما أو أي فن آخر، هي وسائل لمواجهة هذه الاشكاليات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، من خلال ايماني بأنني أحاول رد الجميل لمجتمعي الذي أنتمي إليه والذي أوصلني إلى ما أنا عليه الآن من وعي وإبداع.

وأعتقد أن الجوائز لها فوائد ومردود فاعل في الساحة الثقافية في الإمارات، لأن عدد الكتاب في مجال المسرح لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة، ووجود مثل هذه الجوائز قد يشجع ويحفز الكتاب الشباب على خوض هذا الغمار، ومشاركتي في جائزة الشارقة للتأليف المسرحي أفادتني كثيراً، لأنني شاركت إلى جانب نخبة من الأسماء المعروفة في مجال التأليف المسرحي وحققت من خلالها وجودي مسرحياً على الرغم من أنني ممن أسسوا سابقاً مسرح البيت إلا أن السينما استحوذت على اهتمامي لفترة طويلة.

ولكن للحقيقة لا أتوقف عند الجوائز كثيراً، لأنني أبحث عن ذاتي، لذا فأنا إلى جانب السينما والمسرح لدي اصدار أدبي تحت عنوان للحزن خمس أصابع ولدي تجربة في مجال الفن التشكيلي وأيضاً الفوتوغراف، إلا أنني لا أتطاول على الابداع، لأنني وكما ذكرت منذ البداية أبحث عن النص الأفضل والكتابة الأفضل والجائزة تعتبر حافزاً كبيراً أمام الكاتب الموهوب، وإن كنت أتمنى أن تلقى مساحة أكبر من الترويج والاعلام حتى لا تظل محصورة في أهل المسرح، وحبذا لو أنها انتشرت في أوساط الطلاب في المدارس العليا والجامعات مما يسمح باكتشاف الكتابات الواعدة والجديد، وهذا يذكرني بحالنا في مجال السينما قبل أعوام عندما فرضنا أنفسنا كمبدعين يحبون السينما ويؤمنون بأنها حاجة مجتمعية تسهم جنباً إلى جنب مع بقية المجالات الأدبية والثقافية والفنية في تطور مجتمعنا وتقدمه.

الفنان سعيد سالم (ممثل مسرحي) لم يشارك في الجائزة، ورغم أنه أعد الكثير من النصوص المسرحية وقدمها على خشبة المسرح إلا أنه لم يخض معترك التأليف المسرحي، ولكن له رأيه في أهمية ودور الجوائز في مجال التأليف المسرحي، يقول سالم: نعاني من قلة الكتاب في مجال المسرح لذا ومن خلال تجربتي المسرحية، لجأت كثيراً إلى إعداد بعض النصوص العربية والعالمية لتقديمها، وأنا أفضل لو أننا نتعامل مع نصوص حية، تتناول قضايانا الاجتماعية والانسانية التي تسهم في حل بعض الاشكاليات التي نعاني منها أو حتى محاولة الإشارة إليها، وكما يلاحظ الجميع أن الحركة المسرحية في الإمارات لديها العديد من الممثلين والمخرجين، ولكنها تفتقد إلى عدد أكبر من المؤلفين المسرحيين، ومثل هذه الجوائز تساعد على وجودهم وأيضاً اكتشاف اصحاب الموهبة في التأليف المسرحي وما ينطبق على مجال التأليف المسرحي، ينطبق أيضاً على مجال الدراما، ولك أن تتصور أننا في الإمارات ليس لدينا مخرج في مجال الدراما التلفزيونية حتى الآن وهذا ما أريد أن أصل إليه بخصوص أهمية مثل هذه الجوائز التي تشجع الكتاب على التواجد، وإن كنت أنبه إلى أهمية متابعة النصوص الفائزة، لأن الفوز بجائزة عن نص مسرحي أدبي ليس هو الجائزة الحقيقية، بل تتمثل الجائزة في تقديم هذا النص وعرضه على خشبة المسرح.

هذا ما ينبغي على الجهات المشرفة على الجوائز، المتابعة والاسهام في الترويج للأعمال الفائزة ودعمها مادياً ومعنوياً بهدف تقديمها للجمهور، والاستفادة منها حتى لا تظل في أدراج تلك المؤسسات، ويضيف سعيد سالم من هذا المنبر أود أن ألفت انتباه لجان التحكيم في مثل هذه الجوائز إلى أهمية اختيار النصوص المسرحية بعيداً عن المجاملة، لأن عملنا في المسرح يجعلنا نفرق بين النص المسرحي الأدبي الجيد الذي من الممكن التمتع بقراءته دون امكانية تقديمه على خشبة المسرح، وبين النص المسرحي الذي يمتلك روحه المسرحية، وهو ما يتطلب من لجان التحكيم الوعي في الاختيار والتركيز على الخصوصية الفنية المسرحية لهذه النصوص.

وللفنان عبدالله صالح رأيه في دور هذه الجوائز الفاعل في تحفيز الكاتب المسرحي وسعيه المسثمر نحو تقديم الأفضل فهو يرى أن هذه الجوائز تعيد الاعتبار للكاتب وتمنحه قيمة معنوية ونفسية إلى جانب بعدها المادي، ويوضح ذلك بقوله: الجوائز لا تقتصر على ما تنظمه المؤسسات فقط، وهي مهمة جداً في حياة المبدع لأنها تعترف بقيمة ما يقدمه من ابداع، ولكن في رأيي الخاص أن افضل جائزة يحصل عليها المبدع في المسرح هي ذلك التصفيق الذي يناله من الجمهور عندما يقدم نفسه بصدق وشفافية وإبداع، وهو ما يمنحك ذلك الشعور بأن ما تقدمه لا يذهب هباء، ومن هذا المنطلق أقول إنني أرى الفوز بأي جائزة وأي مركز فيها هو بمثابة المركز الأول، لأن ما يهمني في مفهومي أنني قدمت عملاً جيداً لفت انتباه الآخر، ولكن تظل قضية تقديم مثل هذه الأعمال أمام الجمهور هي الجائزة الأكبر.

بالنسبة للجان التحكم ربما لا أهتم كثيراً بما قد يذكرونه في تقريرهم وتوصياتهم، لأنني مثل أي كاتب يقدم عمله الذي يحمل ملامحه الابداعية وشخصيته الانسانية، ولكل منا توجهاته التي يحاول تجسيدها في أعماله، وربما تكون اكثر من توصيات هنا أو هناك، وأكبر مثال على ذلك أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة صاحب توجه نحو الكتابة التاريخية في المسرح، حيث يعيد انتاج الموروث التاريخي ويسقطه على الواقع المعيش.

وأنا لي محاولات مشابهة بعض الشيء من خلال الموروث الاجتماعي البعيد القريب والمحلي والعربي من خلال اعمالي طوايا والسركال وانتظارات حيث أعمد إلى مخاطبة الجمهور العربي عموماً بلهجة اماراتية محببة ومبسطة وهو مقترحي الذي اشتغل عليه بفكر مجدد ومواكب، وأنا أعتز بهذه الجائزة التي خصصت للكاتب الإماراتي لأنها سمحت لي بالفوز، في حين وعلينا الإقرار بذلك لو أن الجائزة عمومية لكتاب المسرح، لأصبحت فرصتي بالفوز أقل وأضعف، وهو ما يدعوني للقول إن المشهد الثقافي عموماً والمسرحي خصوصاً بحاجة لمثل هذه الجوائز التي تشجع الكاتب الإماراتي على المشاركة وتقديم نفسه وأعماله، حيث تتيح له فرصة لإثبات وجوده الأدبي والفني والشخصي أيضاً.

الكاتب أحمد الماجد من الفائزين بعدة جوائز اماراتية وعربية في مجال التأليف المسرحي، فقد نال جائزة جمعية المسرحيين عدة مرات، وفاز بجائزة محمود تيمور المسرحية، إضافة إلى جائزة باكثير يعلق على أهمية وفاعلية هذه الجوائز في تشجيع الكتاب الإماراتيين والعرب عموماً فيقول:

الجوائز بعمومها، تشجع ملاك المواهب وذوي القدرات المتميزة للإفصاح عن إبداعاتهم، كما أنها ترشدهم، إلى الدرب الذي ينبغي أن يسلكوه في حياتهم الابداعية ويستمروا فيه، أما الجوائز الأدبية والمسرحية خصوصاً، فهي دليل على أن الفائز يمتلك شيئاً لا يمتلكه الآخر، وهذا الشيء ليس الموهبة وحسب، بل هو الجهد والمثابرة والتعلم، وقد نجحت مسابقات التأليف المسرحي في الإمارات في أن تفتح الباب لاستقبال أولئك الذين يريدون الدخول إلى أصعب أشكال المسرح، وهو مجال التأليف فيه، لأنه عملية خلق لحياة أخرى موازية على الخشبة، لذا فإن وجود هذه المسابقات يظل من الأمور المهمة في تفعيل المشهد المسرحي الذي يسهم بالضرورة في تطور وازدهار حركة المجتمع هنا وهناك.

اضافة إلى أن هذه المسابقات قدمت لنا الكثير من النصوص الجيدة، والتي اخذت موقعها ومكانها الحقيقي على خشبة المسرح، وخلقت جواً من التنافس والحماس والاحتكاك بتجارب الآخرين، حيث نشارك معاً ككتاب من مختلف المستويات وهو ما يحفز على أن تعيد ترتيب أوراقك وأفكارك، كما يشجع على البحث والقراءة واختيار موضوعك الذي تنوي تقديمه بعناية، ويرفع من مستوى التركيز لوجود منافسة قوية مع زملائك من الكتاب، وهو أيضاً ما يسهم في بقائك في تلك الحالة من الألق والإبداع.

وتقول الكاتبة باسمة يونس: تكمن أهمية الجوائز الثقافية في كونها تفتح المجال لاستقطاب مشاركات جديدة كلما فتحت أبوابها في كل موسم من مواسهما، وفي كثير من الأحيان تكون هذه المشاركات أفضل نوعا ومضمونا من كتب منشورة لمؤلفين معروفين حتى أن هناك الكثير من المواهب التي جاءت نتاجا لهذه المسابقات.

ولكن مساوئ الجوائز الثقافية تقع في كونها مكافأة مؤقتة ولا يمكن تقديرها بثمن، فالفائز يمكن أن تنتهي حدود نجاحه على حافة استلام جائزته ومن ثم تبدأ مخاوفه في عدم نيل الجائزة مرة أخرى أو في انحداره من مركز عال إلى مركز أدنى من الذين ناله في السابق فلا يعود للمشاركة من جديد وحينما اختفت عنه أضواء الفوز والنجاح يختفي بدوره ويأفل نجمه، وبالنسبة لي شخصيا، فقد شاركت في العديد من المسابقات الثقافية وحصلت على كثير من الجوائز في مجال القصة والمسرحية وما زلت مقتنعة بأنني يمكنني المشاركة من دون تردد وبأن اختلاف لجان التحيكم في كل عام أو حتى اختلاف المراكز التي أحصل عليها لن يؤثر في مالدي من أفكار أو نتاج ولن يوقفني أو يحصرني في موسم، وربما تختلف نظرتي تجاه الجوائز عن نظرة سواي، حيث إنني انظر إلى المسابقات على أنها نوع من المشاركة المنصفة للجوائز والتي في كثير من الأحيان تفتح لدعم الموهوبين ولرفد النتاج الإبداعي.

جائزة نوعية

في بعض الأحيان يكون على الكتاب واجب المشاركة لتعزيز الجائزة وتحقيق أهدافها، وهناك من ينظر إلى الجوائز على أنها تقتصر على المؤلفين من الهواة أو المغمورين أو من الباحثين عن الشهرة، وغيرهم لا يتجرأ على المشاركة في مسابقة خشية عدم الفوز ومن ثم الشعور بالإهانة أو بانتقاص مواهبه غير انه لا يجب تحميل الجوائز تقصير المبدعين، وجائزة الشارقة للتأليف المسرحي جائزة نوعية وذات أهمية من جهة كونها قد سلطت الضوء على أهمية المسرح والكتابة المسرحية بشكل متميز وفعال، وكان لها دور مهم في النتاج المسرحي بهذه الوفرة وباقترانها باسم الشارقة موطن الإبداع المسرحي، ولا بد من الاعتراف بأن المسابقات تدفع الكتاب للمشاركة، وتعزز قيمة العمل الثقافي ولا يمكن النظر إليها على أنها قد تشكل أي تقليل من حجم الموهبة أو الإبداع بأي شكل من الأشكال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"