عادي

الصندوق الأسود تميز في التشويق وتعثر في المضمون

22:22 مساء
قراءة 5 دقائق
ئ
ئ

مارلين سلوم

ربما لن يكون العام الجديد 2021 أفضل حالاً من سابقه؛ بسبب استمرار حالة «الطوارئ» التي يعيشها العالم بأسره، والتي فرضها فيروس «كوفيد-19»؛ ولن نشهد بسهولة عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل الوباء، ولا يمكن للسينما أن تعرف قفزة سواء في إيراداتها أو إنتاجاتها، وسيبقى الرهان الأكبر خلال الفترة الحالية والمقبلة على نوعية الأعمال لا على الكم. وعلى الرغم من هذه الحالة الاستثنائية التي نعيشها، فإن عام 2020 شهد توجهاً ملحوظاً في السينما المصرية لتقديم مجموعة أفلام رعب وجريمة وتشويق، بعضها لم ينجح وبعضها الآخر يعد مميزاً؛ مثل «الصندوق الأسود» الذي يعرض حالياً في الصالات، وحقق حتى الآن إيرادات جيدة بالنسبة للظروف الحالية، وهو يستحق المشاهدة والثناء على الرغم من بعض الأخطاء الواضحة والخطوات الناقصة.

صحيح أن 2020 كان عاماً رمادياً وطغت الأحزان على أغلب أحداثه، فإنه كان أيضاً عام التألق بالنسبة للنجمة منى زكي، حيث تم تكريمها بجائزة «فاتن حمامة» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بنفس توقيت عرض فيلمها «الصندوق الأسود» في الصالات، والذي يشهد عودتها إلى السينما بعد نحو أربعة أعوام من الغياب؛ والتميز لا يكمن في خبر عودتها للفن السابع؛ بل في بطولتها لفيلم ناجح بدت هي بطلته الأولى والرئيسية، يشاركها فيه محمد فراج ومصطفى خاطر. منذ اللقطة الأولى ومنى تبدو «سيدة الفيلم»، والجمهور يشعر بأن هذه الفنانة لها ثقلها وبصمتها الواضحة وحضورها الطاغي في «الصندوق الأسود» الذي كتب له السيناريو والحوار أحمد وهيثم الدهان، قصة وإخراج محمود كامل، وإنتاج جابي خوري ورمزي خوري؛ والذي يمكن القول إنه ناجح في التشويق متعثر في اكتمال القصة ومضمونها.

ملصق الفيلم يضع منى زكي بين فراج وخاطر، والعمل بكامله يجمع بين هذا الثلاثي فيتألقون ويقدمون أدوارهم بتناغم كبير؛ لكن منى هي نقطة الارتكاز، وهي تثبت مجدداً أنها تتحمل مسؤولية أي عمل تقدمه، وتبرع في مختلف الألوان من الدرامية إلى الكوميدية والتراجيدية والرومانسية. وليست المرة الأولى التي تتألق فيها في فيلم إثارة وتشويق. وإذا كان المخرج محمود كامل قد أحسن في اختياره لأبطال الفيلم، إلا أنه لم يختر قصة جديدة أو «غير مألوفة» ليقدمها؛ بل تناول إحدى القصص «المستهلكة» في السينما العربية والعالمية. كما وقع في بعض الأخطاء من ناحية الإخراج، والتي كان من المهم تفاديها لأنها بدهية وتستوقف كل مشاهد حتى ولو لم يكن من هواة مشاهدة الأفلام.

 يوم واحد

«الصندوق الأسود» من الأفلام التي تدور أحداثها في يوم واحد، عدد أبطاله ثلاثة مع ظهور بمشاهد محصورة لصديقة البطلة وطبيبها وضيف الشرف زوجها، ولا وجود للكومبارس سوى القليل جداً.

إنها قصة ياسمين (منى زكي)، المرأة السعيدة بحملها، والتي ينبهها الطبيب إلى ضرورة توخي الحذر نظراً إلى ظروف حملها الصعبة، وكي تتم الولادة بسلام بعد سنوات من الصبر والمعاناة. ياسمين تعاني عقدة الأماكن المغلقة؛ حيث نراها ترفض النزول بالمصعد الكهربائي وتفضل السلالم على الرغم من حملها. تعرج على مقهى، تتحدث مع صديقتها سارة (أسماء جلال) فنعرف أنه يوم ميلادها، ثم تذهب إلى فيلتها بسيارة أجرة؛ حيث تنتظرها مدبرة منزل تأخذ أجرة يومها وتغادر فوراً. تفاجئها سارة بالمجيء للاحتفال بيوم ميلادها، ويتصل زوجها جاسر (شريف سلامة كضيف شرف) الذي ترك لها هدية ثمينة، وهو مسافر لارتباطات العمل. تفاصيل تمهيدية تعد ملخصاً لأحوال البطلة وعالمها المحصور بزوجها وصديقتها سارة ووالدها الذي لا نراه إلا في مشهد عابر في نهاية الفيلم.

من عادة ياسمين أن تخرج ليل الخميس، لكنها في هذه الليلة تقرر البقاء في الفيلا، وحيدة لا رفيق معها سوى كلبتها الصغيرة. لا منطق يفسر قرار المخرج بجعل البطلة تسكن فيلا كبيرة في مكان مقفر؛ حيث لا يوجد جيران ولا حارس ولا خدم ولا أهل.. وهي حامل وضعها حرج وفي أشهرها الأخيرة، وتعاني عقدة الأماكن المغلقة.. حتى كلب الحراسة الشرس الموجود عند مدخل الفيلا في الحديقة، ربطه المخرج بحبل؛ كي يلغي دوره تماماً لحظة اقتحام لصين للفيلا، لتكون ياسمين وحيدة في مواجهتهما.

هادي (مصطفى خاطر) هو محام متدرب في مكتب المحاماة الذي يملكه جاسر زوج ياسمين، يصطحب معه سيد (محمد فراج) صاحب الخبرة في السرقة، كي يسرق أوراقاً مهمة يحتفظ بها جاسر وتدين أطرافاً عدة في عملية فساد كبرى. هادي وسيد يفاجآن بوجود ياسمين، وحسبهما أنها خرجت كعادتها. يكبلانها ويستمران في البحث عن الأوراق، في هذه الأثناء يتلقى هادي اتصالاً (غير منطقي أيضاً) من شقيقته تخبره بنقل والده إلى العناية المركزة وأنه يحتاج إلى عملية عاجلة. هنا أيضاً لا نفهم لماذا وكيف يغادر إلى المستشفى تاركاً سيد يبحث عن الأوراق، علماً أن هادي الوحيد الذي يعرف ما هي هذه الأوراق وماذا تتضمن؟، لكن يبدو أن محمود كامل لم يجد وسيلة لزيادة جرعة التشويق والإثارة وخلق حالة إضافية من خوفنا على البطلة، سوى إخلاء الجو أمام سيد لينفرد بها ويحاول الاعتداء عليها.

غرفة سرية

ما يشفع لكامل أنه أجاد الإمساك بخيوط التشويق طوال الفيلم، ونجح في حبس أنفاس المشاهدين حتى النهاية. وتعد المشاهد التي تلجأ فيها ياسمين إلى الغرفة السرية وهي المقصود بها «الصندوق الأسود» حيث تكتشف كل أسرار زوجها وصفقاته وفساده وعلاقاته المتعددة.. هي مشاهد الذروة والأكثر تشويقاً، وهي نفسها المشاهد التي يتألق فيها الثلاثي: منى تتفنن في التعبير عن حالة الذعر لامرأة حامل خائفة ومقاتلة متمسكة بحياتها وحياة طفلها بكل قوتها، على الرغم من كل ما تتعرض له، وزوجة مصدومة بالحقائق التي تكتشفها. ومحمد فراج البارع بالأدوار الصعبة، يجسد بحرفية عالية دور البلطجي واللص المشوه شكلاً ومضموناً، ويعد مشهد مروره من أمام المرآة وتأمله وجهه المشوه من المشاهد المعبرة واللقطات المهمة في الفيلم. أما مصطفى خاطر، والذي تشعر حين تراه برغبة لديك في الابتسامة والضحك، لأنه ارتبط في أذهاننا بالأدوار الكوميدية، إلا أنه يثبت جدارته في الانتقال إلى النقيض، والتألق في التراجيديا بدور تطلب الجمع بين مشاعر الخوف والجرأة، البراءة والشراسة في السعي للوصول إلى الأوراق التي ستنقذ حياة عائلته.

من أجمل مشاهد الفيلم، لحظة محاولة ياسمين لفت نظر صديقتها سارة الواقفة أمام باب الفيلا بتحريك الكاميرا علها تنتبه فتأتي لإنقاذها، ومشهد رفع ياسمين السلاح في وجه اللصين وبينهما زوجها جاسر، وهم يتحدثون إليها في وقت واحد، جاسر: «اضربي يا ياسمين»، سيد: «هاتي السلاح»، وهادي: «أهلي حيموتوا في المستشفى»، وهي ناقمة وغاضبة وخائفة.. قبل أن تضع حداً لكل ما يحصل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"