عادي

التجارب الروحية ترفد الأدب بالجمال

19:52 مساء
قراءة 4 دقائق
41
1
1


الشارقة: علاء الدين محمود
الفنون الإسلامية عامرة بالجمال والاتجاهات الأدبية التي تنهل من التجارب الروحية، وقد ظلت الحضارة العربية تحتفي بالكلمة والمعنى، ولعل لحظة تمثل الاتجاهات الروحية هي من اللحظات التي ارتقت بالأدب والشعر في التاريخ العربي؛ حيث وصلت به إلى مقام رفيع بفضل الأخيلة والتعابير الفنية، واغتنت اللغة بقوة الرمز والدلالات والإشارات والمعاني الخفية، وتوهجت بسحر التجريد والسيولة في التصوير والتعبير، ولئن حدث ذلك في الماضي، فإن الملاحظة الراهنة تشهد وجود اتجاه من جديد نحو الأدب الروحي، على مستوى الشعر، وأيضاً السرد في القصة والرواية، فمنذ بدايات القرن الماضي، تغلغلت المفردة الصوفية، ولنقل مفردات قاموس الأدب الروحي، إلى أعمال روائيين بحجم نجيب محفوظ، فتجوّلت شخصيات زاهدة داخل نصوصه السردية بصورة مباشرة أو مواربة، مثل: الدرويش، والمتأمل، والمجذوب، وقد كان محفوظ من أكثر الروائيين العرب الذين نجحوا في توظيف مثل هذا الفكر، وما ينطوي عليه من رحابة وجمال في أعماله، وسرعان ما سرت هذه «العدوى الحميدة» إلى الكثير من الروائيين العرب، أمثال إدوار الخراط، والطاهر وطار، وجمال الغيطاني وغيرهم، ومازال الكثير من الأدباء الشباب يقبلون على هذا المعين المختلف، في ظل التشظي الوجداني والعاطفي، بحثاً عن المعنى والجمال.
«الخليج»، ارتحلت مع ثلاثة كتاب إماراتيين في رحلة فيض جمالي، في عوالم الأدب الروحي، وغيره من تجليات الشرق والحضارة الإسلامية، وانعكاس ذلك كله على الواقع اليوم.

* فيض روحي

الهنوف محمد، من الشاعرات اللواتي يتجول في نصوصهن فيض إشراقي متأثر بالجمال الروحي، قريبٌ من الصوفية النثرية، وهي ترى أنها قد نهلت من ذلك الأدب، حدّ أن انعكس في معظم أعمالها الشعرية، وأوضحت أن الخط الصوفي واضح بصورة حاسمة في الأدب العربي الراهن، من شعر ورواية وقصة، وذكرت أنها قد حضرت، من خلال عملها السابق في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الكثير من الفعاليات والأمسيات في الدول العربية، وكان لمعظم الشعراء الذين شاركوا فيها نصوص متأثرة بالدفق والوهج الجمالي الروحي، من خلال قصائد كاملة تدور معانيها حول تلك التجربة العميقة، وكذلك عبر الاقتباسات وتوظيف المفردات والعبارات الصوفية، وهو خط لم ينقطع، فهنالك شعراء كبار تأثروا بهذا الأدب الرفيع، والمفردات الروحية، كما تؤكد الهنوف محمد، احتضنتها نصوص شعراء معاصرين كبار، أمثال محمود درويش والفيتوري وغيرهما.
وأشارت الهنوف محمد إلى سيادة فن الغناء والأهازيج الدينية في كثير من العالم العربي والإسلامي، وهذا العبق الروحي، هو في أصله نصوص شعرية قام الفنانون بالتغني بها بلغات مختلفة غير العربية.
وأكدت الهنوف أن الملمح الروحي في الشعر والأدب، لا يعبر عن حالة جمالية فقط، بل هو بحث في الوجود والمعنى، كما أن التصوف يعتبر جزءاً من التراث الفلسفي والفكري والجمالي في الحضارة العربية والإسلامية.
وأوضحت الهنوف محمد، أهمية التجربة الروحية للمبدع، وتأثيراتها التي تحفز على التأدب والزهد والتواضع، وغير ذلك من القيم الأخلاقية التي تصنع أديباً مختلفاً.

* الهروب من الواقع

الأديب القاص إبراهيم مبارك، أشار إلى كثرة المناهل الروحية في الحضارة العربية والإسلامية، منوهاً بما في التصوف من رحلة فكرية عذبة عامرة بالعبارات والمفردات ذات القيمة الجمالية الكبيرة، ناهيك عمّا فيها من عوالم ممتلئة بالأحلام والتصورات، التي تنتج أدباً خيالياً رفيعاً ومتفرداً، وقد برز الكثير من الشعراء الذين تأثروا بالتجارب الروحية فأنتجوا شعراً جميلاً بمحمولات إشراقية وشفيفة.
وأوضح أن اتجاه بعض الأدباء اليوم نحو التأثر بالفيوض الروحية، يعبر عن حالة هروب من مواجهة مشاكل العصر، وهو في الواقع توظيف للحاضر في خدمة الماضي، ويعبر عن لحظة ماضوية، بمثابة هروب من الواقع الاجتماعي إلى وديان سحيقة من الغموض والتورية، وذلك يبدو واضحاً من خلال العديد من النصوص.
وأكد مبارك أن الشطط لا يصنع أدباً جميلاً، فالأدب مرآة الواقع الاجتماعي، ومن الضروري أن تأتي الصور والتعابير من خلال المشاهدات المباشرة التي ترصده، ومع ذلك، يظل هناك أدب روحي معتدل حافل بالجماليات على مستوى التشبيهات والألفاظ.

* إرث إبداعي

من جهته، ذكر الشاعر كريم معتوق، أن هنالك تجارب روحية مثل الصوفية لم تنجح على مستوى التعامل الديني والاجتماعي، وبقيت، رغم نقاوة الفكرة، بعيدة عن الواقع والسلوك الاجتماعي في المجتمعات العربية، وبالتالي فإن الأدب لم يستطع التعامل مع هذا الموروث العربي الكبير، إلا من خلال مقاربات سطحية واقتباس للألفاظ والعبارات، فكتابات كثير من الشعراء الذين تأثروا بالتصوف على سبيل المثال، لم تنجح في أن تؤسس لأدب صوفي، بل ظلت حبيسة الألفاظ والعبارات فقط، بعكس ما حدث في الغرب، حيث ظهرت السوريالية هناك، وظهر المسرح والقصيدة واللوحة السوريالية، وعبرت عن اتجاه في الأدب، وهذا ما لم يحدث بتلك الصورة المتخصصة في العالم العربي، حيث لا يوجد شعر أو أدب يعبر عن مدرسة أو اتجاه روحي.
وشدد معتوق، على أن الأدب الروحي هو إرث إبداعي جميل، لكن ليس هنالك وارثون له، فالمفردة والعبارة والاقتباسات لا تعبر عن العمق، بل هي محاولات تبقى في حدود ضيقة لا تلمس العمق، بل إن كثيراً من الشعراء العرب اليوم، لا يعرفون ما هو التصوف، فهو بالنسبة لمعظمهم مجرد دروشة وحالة من التجلي لا أكثر، وكذلك الأمر على مستوى الرواية والقصة، فلا توجد أعمال سردية تشير إلى تجارب روحية، بل أعمال تتجول فيها المصطلحات والألفاظ الصوفية فقط.
وأكد معتوق، أن تجربة الصوفية كمثال ساطع، حالة لم تستطع أن تتجاوز الدوائر السرية إلى الفضاء الواسع لتنتج أدباً ومسرحاً وفناً، وبالتالي كل الأعمال التي تنسب إليها لا تشكل إضافة تقود إلى اتجاه أو مدرسة أو تيار أدبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"