يوميات عربي

04:53 صباحا
قراءة دقيقتين

بلاد العرب أوطاني.. نشيد الوجع العربي الذي لم نسمعه منذ زمن في مدارس الوطن العربي الكبير. لكن ليس هذا هو سبب الإحساس بنشاز ما لدرجة الحاجة إلى كأس من زيت الخروع. بدا النشيد غريباً، مرتبكاً، متناقضاً وكئيباً ونحن نقرأ على شريط الأخبار عن بيانات خجولة تحيي الذكرى السابعة والخمسين لثورة 23 يوليو مع صورة ضعيفة الروزيليوشن للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وخبر يتحدث عن منع الفنانين دريد لحام وفردوس عبدالحميد من دخول قطاع غزة (قبل أن يتمكن دريد من الدخول لاحقاً).

... وبحث الزعيمان تطورات الوضع الكئيب في الأراضي الفلسطينية، والمتفجر في العراق، والمتعثر في لبنان، والدموي في اليمن والمتدهور في الصومال، والمضطرب في موريتانيا. كما بحث الزعيمان العلاقات بين البلدين الشقيقين، ووقّعا سلسلة اتفاقات تجارية ثنائية واستعرضا في دقيقتين آفاق تطور الصناعات العربية.

لا طعم للأخبار هذه الأيام، نحوّل التلفاز الأنيق المصنوع في كوريا الجنوبية إلى برنامج فني مسل أو أغنية ندرك مسبقاً أنها كُتبت ولحّنت وموّلت لاقتحام قلعة عقلنا وضرب بلاد العرب أوطاني في ذائقتنا، وقتل 23 يوليو في أفئدتنا.

نهبط السلّم المرصّع بالرخام الإيطالي ونقصد السوبرماركت لندخله بعد فترة تأمل لاسمه المقتبس من خارج لسان العرب، فالحداثة تأبى اللغة الجافة. نبلّ ريقنا بمياه معدنية نيوزيلندية وعلبة من الحليب الهولندي الطازج، لكننا نتعطّش لأخبار العالم المليئة بالمشاكل. نفتح جهاز السيارة ونسمع بعض أخبارنا من إذاعة ال آي إس آر ونعرف أن بكتيريا النفاق أخطر وأشد وبالاً من انفلونزا الخنازير، وأن الكوليرا المنسية منذ عقود قد عادت إلى العراق مع دبابات الحرية، وأن تلميحات عراقية تشير إلى أن لا مواعيد مقدسة بنظر الرافضين للانسحاب من بلاد الرافدين، وأن منتجي الدراما العربية المهتمين بهموم الأمة يلهثون ليلحقوا بأنفسهم للموسم الرمضاني المتأثر بالأزمة العالمية، ونعرف مسبقاً أن أعمالهم لن تكون صادقة إذا ابتعدت عن التراجيديا.

نصعد فخر المصاعد الأجنبية ونلج منزلاً مصاباً ببلادة تشبه بلادة المصعد. نقرأ خبراً أو خبرين في الجريدة، ولا نفوّت كلمة في صفحات الفن وآخر زبائن موسوعة جينيس من ذوي أعرض شوارب وأوسع قبّعة وأصغر كتاب لأبراج الحظ وأطول رسالة حب وأصغر أسير. نصرخ في الأولاد كي لا يتلفوا الجريدة لأن مهمتها لم تنته بعد، فوجبة العشاء اقتربت. نقرأ رواية لتولستوي أو تشيخوف أو استروفسكي، وندرك كم أن أبطالها محظوظون بتسجيل سيرة حياتهم كأبطال ومقاومين، وأنهم ماتوا قبل أن تغزونا تهمة الإرهاب على ألسن الغزاة أنفسهم، يطلقونها علينا وهم يصولون ويجولون فوق أرضنا.

يغزونا النعاس لأننا هجرنا عادة المطالعة منذ زمن، نقرر النوم قليلاً قبل أن تنضج المعكرونة الإيطالية. أليست أفضل من اجترار وجبة من أمجاد صلاح الدين وعبدالناصر؟ نخلع حذاءنا التركي ونستلقي على الأرائك الصينية وننام على وسادة الخلافات العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"