إيبولا والتدخل الأمريكي

03:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
قد يكون مفهوماً ومنطقياً أن يطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما حرباً شاملة على تنظيم "داعش" الإرهابي ويرسل لها الطائرات ومئات المستشارين أو الجنود، أما أن يعلن أوباما بنفسه نشر ثلاثة آلاف جندي في غرب إفريقيا لمواجهة فيروس إيبولا، فذلك يدفع إلى التساؤل عن النوايا المحتملة وراء هذه الخطوة .
وليس القصد من التساؤل الظن بأن هذه القوة الأمريكية الكبيرة ستحتل واحدة من الدول الموبوءة مثل ليبيريا أو سيراليون أو غيرهما، وإنما في الأمر رغبة لإعطاء التدخل الأمريكي "الصحي" هالة من القوة والسطوة تبعث برسائل إلى دول ذلك الإقليم تفيد أن الولايات المتحدة، باعتبارها قوة عظمى، لا تتحرك في أي مجال إلا ضمن أبهة عسكرية . ومن المسلّم به أن هذه الآلاف الثلاثة من العسكريين الأمريكيين تتضمن فرق هندسة لبناء مستشفيات ميدانية، وطواقم طبية لإجراء الفحوص للمصابين، بينما سيقوم فريق آخر بتوفير الأمن للمنشآت والإمدادات اللوجستية . ولكن مع ذلك، هناك نوايا سياسية تحكم هذا التدخل، فالولايات المتحدة، التي استضافت أول قمة إفريقية أمريكية في يونيو الماضي، تريد أن تعزز نفوذها في القارة السمراء . والوصول إلى ذلك الهدف لا يتم عبر العمليات العسكرية أو المساعدات الاقتصادية أو الدعم السياسي فحسب، وإنما قد يتحقق بضمانات أوسع إذا تم في سياق مهمة صحية إنسانية لإنقاذ آلاف البشر من الهلاك المحقق، بل وحماية دول من الاندثار، مثلما صرح بذلك وزير الدفاع الليبيري بروني ساموكاي مؤخراً .
وفي ظل اتساع رقعة إيبولا وبداية خروجه على السيطرة وجهت دول غرب إفريقيا نداءات استغاثة إلى المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الطبية العاجلة . ورغم أن صرخات الفزع قد أطلقت قبل أسابيع، إلا أن الاستجابات أتت متأخرة . وبعد الإعلان الأمريكي بالتحرك العسكري وتخصيص نحو 75 مليون دولار لزيادة عدد مراكز العلاج من الفيروس، بدأت أطراف دولية مثل الاتحاد الأوروبي وفرنسا، بمعزل عن الاتحاد، والصين وروسيا التحرك وإرسال فرق طبية ومساعدات أخرى للدول الموبوءة . ومن الطبيعي أن الدول ضحايا إيبولا لا تستطيع في المستقبل أن تتنكر لمن أنقذها وساعدها على الخلاص من محنة مثل إيبولا، ومن الطبيعي أيضاً أن حجم العرفان والولاء سيكون بقدر المساعدة لا بناء على اعتبارات أخرى .
ومع تسجيل أن هناك نوازع إنسانية في هذه التحركات، إلا أن النوازع السياسية تبدو أقوى وأشد وضوحاً من أي أزمة سابقة . فهذه الدول مجتمعة لها مصالح في القارة الإفريقية ولا تصرف المساعدات كالصدقات . ودفاعاً عن مصالحها تخوض فيما بينها صراعات وحروباً اقتصادية واستخبارية شرسة يتجلى بعضها في حروب وانقلابات وحتى كوارث اجتماعية .
قبل نحو عقدين من الزمان فتكت السيدا والمجاعات بملايين الأفارقة ولكن المجتمع الدولي لم يتحرك بقوة آنذاك لإنقاذ الضحايا، والسبب أن إفريقيا في ذلك الوقت كانت منسية والغرب والدول الكبرى تعيش فورة اقتصادية ولا تعيش أزمات قاسية مثلما هي الحال الآن . وكم هو مثير للأسى بقاء إفريقيا فضاء للأوبئة والمجاعات والحروب، بينما العالم الآخر الذي استنزفها لقرون لا يرد لها بعض حقها، وإنما ما زال يستثمر في مصائبها بنفس سياسات الهيمنة والاستعلاء .

مفتاح شعيب
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"