وصاية أباطرة التواصل

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

لا خلاف على أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ارتكب خطأ كبيراً عندما دعا مؤيديه للتحرك إلى مبنى الكابيتول لمنع تصديق الكونجرس على فوز جو بايدن بولاية رئاسية جديدة، وهو الفعل الذي سيحمل وزره إلى الأبد.

 رغم الإقرار بحجم الجرم المشهود لترامب، وتأييد دفعه لثمن باهظ من جراء فعلته التي تم تسجيلها رسمياً في صفحات التاريخ، إلا أن موقف منصات التواصل الاجتماعي من الرجل، وحظر «تويتر» و«فيسبوك» و«إنستجرام» لصفحاته لن يكون سوى فضيحة أخرى في حق أمريكا في ادعائها حماية ورعاية حقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير. 

 ندرك أن قرار هذه المنصات ليس قرار الدولة الأمريكية، ولا هو قرار أي من ولاياتها أو مؤسساتها الفيدرالية، ولكنه قرار شركات خاصة، ليست كالشركات، لأنها هي التي تستمد منها الدولة الأمريكية اليوم قوتها، وقد يكون تأثيرها في القوة الأمريكية يفوق تأثير الجيش، فهي الأداة التي تسيطر بها الولايات المتحدة على العالم، بعد أن فشل جيشها في السيطرة بعد معارك عدة، في أكثر من بقعة حول العالم، ولعل معاركه في العراق وسوريا وأفغانستان ليست ببعيدة، أما مواقع التواصل فقد يسرت لأمريكا السيطرة على العالم، والاستحواذ على بيانات ملياراته الثمانية بكبسة زر. 

 الغريب أن أكثر شخص في العالم منح هذه المنصات أهمية كبرى واستخدمها سياسياً، واستغنى بها عن وسائل الإعلام، وأقال عبرها المغضوب عليهم من وزرائه ومساعديه، هو ترامب، ليصبح اليوم أكبر ضحاياها بعد أن حظرته من دون أن يهتز لها جفن، متناسية أنه هو الذي خاض لأجلها أكبر معاركه مع الإمبراطورية الصينية، سواء معركته ضد تطبيق «تيك توك»، أو ضد شركة هواوي، وكان الهدف منها الدفاع عن مصالحها، والحفاظ على التفرد الأمريكي تقنياً، وخشية أن تنافس أمريكا في الاستحواذ على البيانات والمعلومات أي دولة، أو قوة أخرى. 

ترامب أيضاً هو الذي جعل الناس تستيقظ كل صباح مهرولة على أجهزتها الذكية لتتصفح صفحته على «تويتر»، والتعرف إلى قرارت ومواقف سيد البيت الأبيض، والعالم، بعد أن جعل «تويتر» وسيلته الإعلامية الرسمية، وبالتالي كان دوره مشهوداً في زيادة انتشار هذه المنصات حول العالم. 

 هذا الكلام ليس دفاعاً عن رئيس وصفته وسائل إعلام بلاده ومساعدوه في الإدارة الأمريكية وساسة العالم بأقذع الصفات، ولكنها خشية من القادم الذي يمكن أن تفاجئنا به وصاية منصات التواصل على البشرية، وها هي البداية بالقرار الذي اتخذه تطبيق «واتس أب» وينوي تطبيقه من يوم ٨ فبراير/ شباط المقبل، والذي يمنح ربيبه «فيسبوك» حق استغلال بيانات مستخدميه، وكشف خصوصياتهم من دون العودة إليهم، ومن يعترض فليحزم أمتعته ويغادر فضاء «واتس أب»، وينتظر التوابع. 

الفضاء الإلكتروني تحول إلى ساحة للفوضى والفلتان الفكري والديني والسياسي والاجتماعي، وأباطرة التواصل الاجتماعي أصبحوا يحكمون ويتحكمون في أبناء آدم، ويكيلون ليس بمكيالين، ولكن بالكثير من المكاييل حسب المصلحة والهدف والهوية والانتماء السياسي، ففي نفس الوقت الذي يتم فيه حظر ترامب تجد أن الاقتراب من رموز الإرهاب والنيل من صفحاتهم ممنوع، رغم أنه لا يخفى على أحد أن جماعات الإرهاب قد اصطادت ضحاياها، وجندت أعضاءها، وهدمت دولاً وغيّرت أنظمة عبر هذه المنصات، كما اتخذتها وسائل لترهيب وترويع الناس. 

 ليت العالم ومنظماته الأمنية ودوله الكبرى تنتبه لمخاطر الفلتان الإلكتروني، وتضع قانوناً وضوابط تحكم تعاملاتها وتحد من تحكماتها، وتضع الجميع تحت سقف واحد من دون حسابات ضيقة، وليت ما حدث مع ترامب يوقظ كل القادة لوضع هذا العالم الخفي تحت طائلة القانون، ونقل خباياه إلى العلن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"