آفاق منشودة للمصالحة المتأخرة

03:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

بدا انتهاء الانقسام بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس مفاجئاً، وذلك بعد سلسلة من الاتفاقات والمباحثات السابقة استغرقت نحو عشر سنوات، ولم تكلل بأي نجاح. وقد كان لقيام حماس بحل اللجنة الادارية (وهي بمنزلة سلطة حكومية) في قطاع غزة أن مهد الطريق للمصالحة وحقق شرطاً أساسياً للسلطة. وذلك مقابل تثبيت عشرات الآلاف من المواطنين قامت حماس بتعيينهم في مرافق حكومية مختلفة. وقبل ذلك فإن عدم قدرة الحركة على تحمل أعباء القطاع والوفاء بحقوق مواطنيه (نحو مليون ونصف مليون مواطن) في تأدية الخدمات الأساسية لعب دوراً كبيراً في التخلي عن حكمها للقطاع. إضافة إلى الصعوبات أمام فتح معبر رفح الحدودي مع مصر وهو البوابة الوحيدة للقطاع على العالم الخارجي. ويفترض الآن وبعد أن لعبت القاهرة دوراً ملموساً في تحقيق المصالحة، أن يصار إلى فتح المعبر، وأن تتغير المعادلة بحيث يصبح فتح المعبر لا إغلاقه هو القاعدة.
من حق أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة أن يبدوا تفاؤلهم بالمصالحة سواء لأسباب سياسية تتعلق بتكتيل الصف الوطني، ووقف المفاعيل السلبية للانقسام على المجتمع، أو لأسباب حياتية تتعلق بتحسين الخدمات الأساسية وخاصة في القطاع لجهة توفير التيار الكهربائي الذي ينقطع لزهاء عشرين ساعة في اليوم عن المنازل والإدارات والمتاجر الصغيرة. ويؤمل الآن أن توفر الرعاية المصرية للاتفاق توفير هذه الخدمة الحيوية.
لكن لا بد من الاعتراف أن المصالحة جاءت متأخرة. وخلال تلك الفترة الطويلة من الانقسام كان الاحتلال قد قطع شوطاً كبيراً في الغزو الاستيطاني، وفي التهويد القسري للقدس العربية المحتلة. وتراجعت مكانة القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً، وحلّت أجندة جديدة للاهتمامات وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.

بعيداً عن ذلك، فإن المصالحة المتأخرة تنجح إذا ما شقت طريقها وصمدت وفتحت آفاقاً سياسية، من قبيل تحسين العلاقات الفلسطينية مع سائر الأطراف العربية وبعيداً عن سياسة المحاور والاستقطاب. وهي مهمة شاقة ولكن لا بد من الوفاء بها، كي تنجح القيادة الفلسطينية في اجتذاب أكبر دعم عربي وتعود قضية فلسطين لتحتل مكانة متقدمة على الأجندات العربية والإقليمية.
وفي السياق نفسه، وكي تؤتي المصالحة ثمارها المرجوة، فمن الأهمية بمكان التوافق على برنامج سياسي حتى لو اندرجت ضمنه بعض التباينات، وذلك من أجل وقف ما يمكن تسميته بالانشطار الإيديولوجي بين حركة حماس كحركة جهادية تمتزج لديها الأهداف السياسية بالأهداف الدينية وبين السلطة ككتلة فصائلية وسياسية ذات توجه وطني للتحرر من الاحتلال. وفي هذه الإطار فإن الفصائل والاتحادات الشعبية والمجتمع المدني مدعوة كلها كأطراف رئيسية للعب دور في التقريب وصياغة رؤى مشتركة تلتقي عليها مكونات الصف الوطني.
وفي الإطار ذاته لا بد من استعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية بعد طول غياب وتغييب. فالمنظمة تمثل شعبها في داخل الوطن الأسير وفي الخارج، خلافاً للسلطة التي ترعى شؤون الداخل فقط وهذه محكومة باتفاقات مع المحتل، وتخضع لسطوته العسكرية، خلافاً للمنظمة غير المحكومة بهذه الاتفاقات، علما أن المنظمة تبادلت الاعتراف مع «تل ابيب» ضمن اتفاقية أوسلو! أي أنها معترفاً بها حتى من الاحتلال ذاته.
كما لا بد في هذه الأثناء من وقف ظاهرة الاعتقال السياسي، وضمان الحريات العامة والفردية، واحترام التنوع الثقافي والاجتماعي الذي طالما اتسم به المجتمع الفلسطيني، وحاولت حماس وجماعات سلفية وأخرى عشائرية القفز عنه، وتكريس نمط اجتماعي بعينه في المدن وهو النمط المحافظ والريفي.
هذه التوجهات تتطلب من أجل تفعيلها وقف الركود في الحياة السياسية والعامة، وتفعيل المؤسسات، والمدخل إلى ذلك المبادرة إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ليس فقط من أجل تجديد الشرعية، ولكن من أجل إعادة الحياة للمؤسسات التمثيلية. وقد بذل الاحتلال كل ما تملك يمينه في العقد الأخير خصوصاً، من أجل شل هذه المؤسسات وتجويفها، ومن أجل أن تبقى السلطة بغير مؤسسات منتخبة، بما يهدد شرعيتها، ويسلب عنها صفة الاحتكام إلى آليات ديمقراطية والتقيد بها، وكيما تظهر السلطة كمرفق إداري خدمي، بغير ما صفة سياسية وتمثلية مستمدة من أصوات المقترعين وخياراتهم الحرة. ولم يتوقف الاحتلال عند ذلك فإنه قد أخذ في السنوات الثلاث الأخيرة يسلب من السلطة صلاحياتها الإدارية وذلك عبر إحياء ما يسمى الإدارة المدنية للاحتلال، التي تدعو المواطنين الفلسطينيين للتعامل المباشر معها، أو عبر وسطاء (سماسرة) لتسهيل أمورهم الحياتية. علما أن وجود هذه الإدارة (التي يديرها عسكريون) يتعارض مع اتفاق أوسلو.
وجملة القول إن المصالحة التي جاءت متأخرة تتطلب فعل الكثير لتدارك ما فات، ولمواجهة الأعباء الجسيمة التي تضخمت خلال فترة الانقسام، فيما يبقى العنوان العريض الجامع للبرامج هو مناهضة الاحتلال ومواجهته بكل الوسائل المشروعة الممكنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"