«إسرائيل».. انهيار الحزب الأكبر

04:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

بين ما تضمنته من نتائج، فقد تمخضت الانتخابات التشريعية «الإسرائيلية» الأخيرة عن نتيجة مثيرة تتعلق بحزب العمل، الذي لطالما وصف على مدى عقود بأنه أكبر الأحزاب «الإسرائيلية»، فيما اعتبُر بعض قادته من أمثال غولدا مائير وديفيد بن غوريون من الآباء المؤسسين للدولة العبرية. وبالفعل فإن أول حكومة تشكلت بعد إعلان الدويلة على أرض فلسطين، كانت حكومة عمالية برئاسة بن غوريون. وها هو هذا الحزب «التاريخي» ينال ستة مقاعد فقط في انتخابات الكنيست العشرين، متساوياً في ذلك بعدد المقاعد مع قائمة عربية ضمت الجبهة الديمقراطية للمساواة (ركاح) والجبهة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي.. وهي مسألة على جانب كبير من الرمزية، فقد قام الحزب على نفي الوجود العربي الفلسطيني، والقفز عنه، إلى أن أصبح مساوياً في حجمه وتمثيله لقائمة عربية فلسطينية.
حمل حزب العمل أسماء مثل مابام وماباي والمعراخ (التكتل) وذلك نسبة لأسماء بعض مكوناته. وتعود نشأته الأولى إلى زهاء العام 1920، وتصفه دوائر غربية بأنه حزب «اشتراكي علماني» وهو نعت مخاتل، علماً أن الحزب يؤيد «قانون القومية» (يهودية الدولة)، برفع الانتماء الديني إلى مستوى القومية، وهو ما يتنافى مع العلمانية المدعاة.
وواقع الأمر أن هذه النتيجة تعكس انهياراً وليس مجرد تراجع، فقد نال الحزب في الانتخابات السابقة (2015) 24 مقعداً، ليتقلص عدد المقاعد في انتخابات إبريل/‏نيسان لهذا العام إلى ستة فقط، وقد تقدمت عليه أحزاب مثل حزب شاس الشرقي (8 مقاعد)، وحزب يهودت توراة الأصولي (7 مقاعد). بينما نال حزب تأسس قبل شهور فقط (حزب أبيض أزرق) 35 مقعداً.
يعود الانهيار إلى أسباب منها الصراع المحموم على قيادته. وكانت أبرز تجلياته التنافس الحاد بين اسحق رابين وشيمون بيريز منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي. وبينما اغتيل رابين في العام 1995، فإن بيريز لم يلبث أن خرج وانضم إلى حزب ناشئ هو حزب كاديما (قُدُما). وساد التنافس بعدئذ بين اسحق باراك وجملة طامحين آخرين حتى اعتزل باراك الحياة الحزبية والسياسية، فأخذت تتعاقب على رئاسة الحزب قيادات شابة غير متمرسة، أو قيادات باهتة.
لقد ترافق التراجع المطرد لحزب العمل في السنوات الخمس الأخيرة، مع النمو السرطاني لتكتلات اليمين الديني و«القومي» ومع غياب الانشغال بالتوصل إلى تسوية مع الجانب الفلسطيني، ومع التغول في الغزو الاستيطاني، علماً أن حزب العمل هو من أرسى الاستيطان وعمل على تراجع مكانة القضية الفلسطينية على الأجندات الإقليمية والدولية. ومع أن طريق حزب العمل نحو التسوية كان متعرجاً ويشهد ارتدادات إلى الوراء في غير محطة، إلا أن الحزب بقي في الوعي الصهيوني الاستئصالي مرتبطاً بتوقيع اتفاقية أوسلو (1993). والقبول بحل الدولتين ضمن اشتراطات معينة، وهي خطوة تعادل ارتكاب خطيئة غير مسبوقة. فالوعي الصهيوني التقليدي بجوهره العنصري يستند إلى الإنكار التام للوجود الفلسطيني المادي والسياسي!
علاوة على ذلك فإن حزب العمل يراعي، ولو شكلياً في معظم الأحيان، المعادلات الدولية، وأهمية الوجود في الأمم المتحدة ومنظماتها، وأهمية مخاطبة الرأي العام الدولي، أما من يمثلون اليمين بمختلف تلاوينه فينحون نحو الانعزالية وعقلية القلعة الاسبارطية، والمعادلات الصفرية. وقد انتعش هؤلاء في أجواء من مناخ عالمي ازدهرت فيه التيارات اليمينية الشعبوية في غير مكان من العالم، بما تحمله من تعصب قومي وديني. وقد كان لهدايا الرئيس دونالد ترامب إلى نتنياهو أثر كبير في توجيه دفة الانتخابات.. الهدايا المتعلقة بالاعتراف بالقدس العربية عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المقدسة، وقف الدعم لوكالة «الأونروا»، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
مع ملاحظة أن الانهيار في مكانة حزب العمل، لم يُضف شيئاً لليسار ممثلاً على الخصوص في حزب ميرتس الذي تواصل تراجعه بنيل أربعة مقاعد فقط (خمسة مقاعد في الانتخابات السابقة). فيما نجح شق القائمة العربية المشتركة إلى قائمتين في تعزيز المناخ اليميني لدرجة أن نحو 30 في المئة من الأصوات العربية ذهبت إلى أحزاب صهيونية، وهي نسبة مفزعة ولا سابق لها، إذ تضاعفت تقريباً عن الانتخابات السابقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"