المعارضة السياسية بين الشرق والغرب

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تمثل المعارضة في الثقافة السياسية المعاصرة، جزءاً لا يتجزأ من النسق السياسي العام في كل الدول على اختلاف مستوى تطورها وبصرف النظر أيضاً عن القناعات والتوجهات السياسية لنخبها؛ حيث قاد تطور النظام السياسي في الدول الوطنية إلى العمل على إدماج كل المكونات المجتمعية والهوياتية في اللعبة السياسية، من أجل تحقيق مستوى أفضل من الاستقرار السياسي، الذي يُسهم بشكل لافت في توفير مقومات التنمية المستدامة، وشروط كسب رهان المنافسة الاقتصادية.
بيد أن الدور الذي تلعبه المعارضة في دول العالم غرباً وشرقاً لا يحمل السمات نفسها، ولا يؤدي الوظيفة عينها، فهناك بون شاسع بين تقاليد وثقافة المعارضة في الديمقراطيات الغربية، وبين سلوكيات وممارسات المعارضة خارج سياق المنظومة السياسية الغربية، في شرق الكرة الأرضية، لاسيما بالنسبة لدول كبرى مثل الصين وروسيا وفي إفريقيا وآسيا ودول أمريكا الجنوبية.
ويمكن القول، إننا صرنا في المرحلة الراهنة أكثر قدرة على تقديم وصف موضوعي لكل أدوار المعارضات السياسية في العالم، وتحديداً في المرحلة الراهنة التي تخلصت فيها المقاربات الفكرية والسياسية من الأحكام المسبقة، ومن التزكية المجانية لتجارب على حساب تجارب أخرى.
ومن الواضح، أن تطور المقاربات ونضجها يسهم في تقديم تقييم حيادي لمختلف تجارب المعارضات السياسية في الشرق والغرب على حد السواء؛ حيث بتنا مثلاً أكثر وعياً بأن المعارضة في الغرب هي الآن أكثر تطوراً وأقل إثارة للجلبة وتشارك بصورة جدية في المحافظة على الاستقرار، لأنها معارضة تنصاع بكثير من الاحترافية لقواعد اللعبة السياسية، نتيجة ارتباطها بالنسق العام الذي يرسم مسارات تحرك النخب السياسية الموجودة في السلطة أو خارجها.
وبالتالي، فإنه وبعد أن تراجعت في الغرب الثقة التي كان يضعها المواطن في نخبه من داخل السلطة والمعارضة التقليدية، طفت على السطح أشكال مزعجة وغير معهودة من المعارضة في دول مثل: فرنسا وإيطاليا، وأضحى التيار الشعبوي، قادراً على إفساد قواعد اللعبة إلى الحد، الذي استطاع أن يهدد فيه لأول مرة منذ عقود، استقرار وسيادة أنظمة قوية مثل النظام الفرنسي؛ فقد عاشت فرنسا مؤخراً تجربة قاسية على خلفية احتجاجات أصحاب «السترات الصفراء».
كما أن مزحة الرئيس الأمريكي، أثناء لقائه بنظيره الروسي، التي دعا من خلالها موسكو إلى عدم التدخل في المسار الانتخابي الأمريكي، واتهام عواصم بعض الدول الغربية لأحزابها اليمينية المتشددة بتلقي دعم سياسي مباشر من روسيا، تطورات تؤكد في مجملها أن شبهة ارتباط أطراف من المعارضة بالخارج، لم تعد تقتصر على الشرق دون الغرب.
وبالرغم من كل ما تقدم، فإنه علينا أن نعترف بأن المعارضة في الغرب سواء من داخل النسق السياسي أو من خارجه، ما زالت تملك من الحصافة والنضج ما يجعلها قادرة على الابتعاد عن الارتماء بالكامل في أحضان دول أجنبية تتربص الدوائر بأوطانها وتسعى إلى تفتيت وحدتها، وذلك على خلاف ما ألفناه في بلدان الشرق، وبخاصة في الدول العربية والإسلامية.
ويسهل علينا أن نحيل في هذا المقام، إلى تجارب دول كبرى من خارج المنظومة الغربية؛ حيث إن المعارضة الروسية مثلاً وحتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت لها جرأة لافتة للنظر، فيما يتعلق بالارتماء في أحضان الدول المعادية، والشيء نفسه ما زلنا نلاحظه الآن من خلال توجه المعارضين الروس إلى الدول الغربية وبشكل خاص إلى بريطانيا والولايات المتحدة، بحثاً عن الصدى الإعلامي.
وبالتالي، فإن هؤلاء المعارضين لا يجدون أي حرج في تقديم معلومات أمنية حساسة عن روسيا تمس أمنها القومي إلى الدولة التي تمنحهم حق اللجوء السياسي.
ونعتقد أن سلوك المعارضة الصينية لا يختلف في هذا السياق عن سلوك نظيرتها الروسية لأسباب تتعلق بخروج المعارضة عن سياقها السياسي وتحولها إلى خصومة شخصية مع رموز السلطة القائمة من جهة أخرى، أما الاستناد إلى الحجج التي تتعلق بحالات القمع والاضطهاد وغياب الحريات من أجل تبرير سلوكيات الخيانة، فأمر مرفوض من الناحية الأخلاقية.
ونستطيع أن نخلص عطفاً على ما سبق، إلى أن المعارضة العربية، تمثل أسوأ نماذج المعارضات السياسية في العالم على الإطلاق، لأن قسماً كبيراً منها لا يتورع عن ركوب دبابات الغزاة من أجل تغيير الأنظمة في بلدانها، وينتقل بعضها إلى عواصم الفتنة في دول المنطقة للتحريض ضد أوطانها، كما لا تجد مثل هذه المعارضات أي حرج في الارتماء في أحضان القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران، من أجل النيل من المصالح العليا لدولها، وتفكيك وحدة شعوبها، متوسلة في ذلك كل أدوات الدعاية الرخيصة القائمة على التهافت والابتذال السياسي، إنها معارضات تتداخل بالنسبة إليها الخطوط والألوان وسلم القيم وينقلب لديها النضال ليصبح عنواناً للعمالة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"