الأطفال حصاد «الربيع العربي»

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

منذ عام 2011 أو ما سمي ب«الربيع العربي» وحتى يومنا هذا تعيش منطقتنا العربية، حالة من البؤس والفوضى والحروب المدمرة، لم يسبق لها مثيل، نتج عنها تدمير شبه كامل لأكثر من دولة عربية، بكل ما يعنيه ذلك من خسائر مادية ومعنوية، تجلت في مئات الآلاف من الضحايا، وخسائر تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ناهيك عن تدمير القوى العسكرية لدول كانت عبر التاريخ تشكل ثقلاً عسكريا مهماً في الصراع مع العدو الصهيوني.
ورغم أن الحديث عن الخسائر المادية حديث يطول، لأنها خسائر شعوب صارعت الحياة لسنين طويلة، إلا أن الخسارة الأكثر إيلاماً، والأشد ضرراً، تبدو في ضياع مستقبل الملايين من الأطفال، الذين يشكلون أمل كل أمة في المستقبل.
فأطفال اليوم كما هو معروف، هم بناة الغد، وهم القوة المجتمعية التي يعول عليها في ترميم ما فسد من حياة أي شعب من الشعوب، لأن أي بناء لا ينطلق من الإنسان يبقى هشاً، وغير قابل للعطاء أو الديمومة، ونظراً لأن كل شيء يبدأ من الطفولة، فقد اهتمت الشعوب المتحضرة، وقبل أي شيء آخر بتوفير المناخ المناسب لأطفالها، لكي ينمو بشكل طبيعي، ومبشر بالعطاء. ومن هذا المنطلق عكفت بعض الدول المتحضرة على إعطاء المدرسين والتربويين رواتب مرتفعة، نظراً لحجم وأهمية المسؤولية الملقاة على كواهلهم.
وأمام هذه الحقائق يكمن التساؤل المهم الذي ربما يفكر به الكثيرون، وهو أي مستقبل ينتظر أطفالنا نحن العرب، ولا سيما في تلك الدول التي تشهد منذ سنين صراعات هائلة، تمارس خلالها أبشع الجرائم بحق الإنسانية كلها، من قتل وتعذيب وترويع، دفعت بجيل كامل من الأطفال إلى التشرد والضياع، كما تركت الصراعات التي تعيشها المنطقة 12 مليون طفل بلا تعليم، تلك الصراعات التي لا تسرق من الطفولة ألَقَها فحسب، بل تمتد إلى أحلامها. ومستقبلها، الذي يمثل في الحقيقة مستقبل الشعوب العربية التي تعاني من الصراعات الدموية التي ما أن تهدأ في جبهة حتى تندلع في أخرى.
ويكفي أن نتذكر أن الحروب التي تدور الآن في الشرق الأوسط قد قضت على عشرة آلاف مدرسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، بعضها دمر بالكامل، والبعض الآخر متداع، لا يصلح للتعليم، ناهيك عن أن الخوف من الحروب الذي تغلغل في نفوس الجميع، دفع بآلاف المعلمين لترك وظائفهم، واللحاق بركب النازحين واللاجئين ما جعل المدارس تتحول إلى ثكنات عسكرية، وفي أحسن الأحوال مراكز لإيواء النازحين والهاربين من جحيم القتال هنا وهناك.
وتشير الأرقام إلى أن أربعة وثلاثين مليون طفل في سن الدراسة، يمضي نحو أربعين في المئة منهم أيامهم بين خيام اللجوء والتجوال أو اضطروا للعمل لإعالة أسرهم بسبب الحروب.
وبين هؤلاء الأطفال المتضررين من الحرب نحو 3 ملايين طفل يمني وعدد مماثل في العراق وما يقرب من مليونين ونصف المليون طفل في سوريا، وثلاثة ملايين طفل بلا تعليم في السودان. أما في ليبيا فأكثر من مليوني طفل أبعدتهم الحرب عن مقاعد الدراسة، وحتى الالتحاق بالمعارك، وبروز ظاهرة «الجنود الأطفال».
إنها أرقام مخيفة تدعو إلى التشاؤم، حيال مستقبل الأطفال، الذين سيصبحون إما شخصيات سيكوباتية، مريضة، ومحبطة، أو مشاريع مجرمين وإرهابيين.
ولذلك يصح القول، إن أكبر ما نال الشعوب العربية من خسائر، هو خسارتها للكثير من أطفالها الذين تركتهم الحروب مشوهين نفسياً أو جسدياً، وخسارتها لشريحة مهمة من المجتمع، تمثل أمل الأمة في المستقبل، كما يقودنا ذلك إلى القول إن أكبر الجرائم التي ارتكبت في هذه الصراعات الدموية، هي جرائم قتل الطفولة وآمالها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"