الانتقام في فكر ترامب

05:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

حملة الانتقام التي بدأها الرئيس الأمريكي دونال ترامب ضد من شهدوا ضده في الكونجرس أثناء محاكمته في الفضيحة الأوكرانية التي تمت تبرئته منها بفضل هيمنة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، هي استمرار لحملة الانتقام والإقالات التي شهدها عهده. فقد أقال ترامب أحد مسؤولي مجلس الأمن القومي هو ألكسندر فيندمان، الذي كان أحد أهم الشهود في إجراءات عزل الرئيس الأمريكي، وهو ليفتنانت كولونيل في الجيش حاصل على وسام، وهو من حذر من خطر المكالمة التي أجراها الرئيس ترامب في 25 يوليو/تموز الماضي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ثم أقال سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند، الذي أدلى هو الآخر بشهادة خلال التحقيقات التي أجراها مجلس النواب.
وكان ترامب أقال قبل ذلك عشرين من كبار الوزراء والمستشارين في البيت الأبيض، آخرهم جون بولتون، وأجبر آخرين على الاستقالة في توجه نحو حكم شمولي، في إطار صراعه مع المؤسسات العميقة في الولايات المتحدة.
فقد درج ترامب على اتخاذ قرارات بمعزل عن رأي مؤسسات الدولة العميقة كالبنتاجون والمخابرات الأمريكية ووزارة الخارجية، وهو توجّه ينطلق من كونه يقود حزباً شعبوياً إلى حد بعيد له ميول فاشية عنصرية تتناسب مع فكر ترامب تجاه اللاتينيين والمهاجرين والسود والمسلمين. وتتفق أفكار ترامب وتصريحاته مع أفكار الأحزاب الشعبوية القومية الناشئة في أوروبا، والتي اكتسبت زخماً في الانتخابات الأخيرة، والتفّت حولها الأحزاب الفاشية والنازية، ووصل بعضها إلى سدة الحكم.
لقد عمد ترامب قبل سنوات من خوض حملة انتخابات 2016، إلى مهاجمة الرئيس السابق باراك أوباما، أول رئيس أسود للولايات المتحدة، مستهدفاً تحديداً أصوله الإفريقية، فاتهمه بأنه لم يولد على الأراضي الأمريكية، وطالب بوثيقة ولادته. وفي 2011، ألمح إلى أن أوباما مسلم، علماً أن المسلمين من المجموعات التي يستهدفها بشكل منتظم.
وجعل ترامب من مكافحة الهجرة ركيزة أساسية في برنامجه الانتخابي، وردد لمؤيديه خلال خطاباته أن المهاجرين القادمين من المكسيك إلى الولايات المتحدة هم مهربو مخدرات ومجرمون. وفي 2015 ادّعى أن «آلاف» المسلمين في نيوجرسي احتفلوا فرحاً بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك. وخلال حملته الانتخابية عام 2016، هاجم عائلة الكابتن هومايون خان، وهو جندي أمريكي مسلم قتل في العراق، بعدما انتقد والد خان المرشح الجمهوري.
وتعهد خلال الحملة الانتخابية بفرض «حظر تام وكامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة». وبعد فوزه بالرئاسة، حظر ترامب سفر مواطني عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى الولايات المتحدة، وخفض بشكل كبير عدد اللاجئين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة، وخصوصاً اللاجئين القادمين من سوريا.
وقال ترامب بوضوح خلال حفل خاص في البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2018، إنه يفضل استقبال مهاجرين بيض من دول أوروبا الغربية على سواهم.
وقال: «لماذا يأتينا كل هؤلاء الأشخاص من دول قذرة؟»، مشيراً إلى دول إفريقية وهايتي والسلفادور. وتابع، «ما حاجتنا إلى المزيد من الهايتيين.. أخرجوهم». وأضاف، «يجدر بنا استقبال أشخاص من دول مثل النرويج».
ولعل مواقف ترامب تجدها واضحة ومكررة في مواقف قادة اليمين الفاشي في أوروبا، وخاصة الإيطالي ماتيو سالفيني الذي يعتبر زعيماً للأحزاب الشعبوية الأوروبية التي تعادي الهجرة، وأقفل موانئ إيطاليا أمام المهاجرين، وتركهم يغرقون في البحر، وهو مؤيد للسياسة «الإسرائيلية». وأبدى سالفيني اشمئزازه من إقامة كأس السوبر الإيطالي في المملكة العربية السعودية، وأيد نقل السفارة الإيطالية إلى القدس، وهاجم المهاجرين من تونس، ووصفهم بأنهم مجرمون.
والطريف أن المبدأ الشعبوي نشأ ضد النخبة الحاكمة من الرأسماليين والسياسيين في الولايات المتحدة في نهاية القرن العشرين، لكنه سرعان ما تحول إلى فكر شعبوي للنخبة السياسية التي تستخدم الشعب لمصالحها وليس العكس. ولعل هتلر كان أقرب مثال للنهوض الشعبوي؛ لأنه استخدم مصطلحات ومواقف يريدها الشعب، لكنه في النهاية بات يمثل نخبة متنفذة ألقت بالشعوب في غياهب الحروب وويلاتها، وهو الدرب نفسه الذي تسير عليه الأحزاب اليمينية الأوروبية، وترامب ليس ببعيد عنها، بل بات رمزاً من رموزها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"