تجارة تفريخ المشكلات

05:22 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ينبغي أن نقول للقويّ: أريد أن تكافح الداء من دون أن تستخدم قوتك؟ لهذا عليك تقديم التسهيلات حتى ينجز المهمة . الوباء هو الآخر إرهاب . والولايات المتحدة خير من تأتمنه على قول الشابي: "سأعيش رغم الداء والأعداء" . لا علينا، انصرف ذهنك إلى مكافحة الإرهاب خطأ، فللظروف شاشات عملاقة تجعل العين لا ترى خارجها . الموضوع: إيبولا، فلا تذهب إلى طرف أنفك . المسألة أبعد قليلاً .
لكن، ما أطرف العبارة المصرية: "أقلبها كده، جيبها كده، هي كده" . ها أنت فهمت أسرار السياسة الأمريكية من الألف إلى الياء، ولو أن في أبجدية الكواليس حروفاً أخرى بعد الياء تقع خارج نطاق إدراكنا .
من حيث الفكرة المجردة، تحتاج المكافحة إلى قوة في أي مجال كانت . من هذا الباب تستخدم واشنطن القوة في الحرب والسلام، في الصحة والسقام، في التعتيم والإعلام، في الإيهام بالصداقة وفي نزعات الانتقام . وكم في ذاكرة الدنيا من قصص الإيدز وإنفلونزا الدجاج والخنازير . تخالها حدائق حيوانات، غير أنها يفر منها المرء رجلاه أعلى من رأسه . والآن موضة إيبولا . وقد لاحت العنتريات لدى طلائع رعاة البقر . هذا البقر لا يصاب بالجنون، فعنده من الجنون فنون عاقلة .
ثمة ظروف موضوعية تجعل ظهور إيبولا في ليبيريا يستحق الملكية الفكرية وبراءة الاختراع، وشاحاً على صدر واشنطن . تخصيص الولايات المتحدة ثلاثة آلاف عسكري كدفعة أولى لمكافحة إيبولا انطلاقاً من ليبيريا، يبرر الحضور الأمريكي حباً للحرية وتجشم عناء آلاف الأميال . سكان البلد ليسوا قبائل إفريقية . فهم أحفاد العبيد الذين كانوا في أمريكا وحرروا وأعيدوا إلى القارة السمراء، لا إلى أوطانهم، فقد أسكنوا في ليبيريا . واسم البلد مشتق من الحرية في الإنجليزية . وقد سميت العاصمة مونروفيا، باسم الرئيس الأمريكي الخامس "جيمس مونرو" الذي كان متيماً بالاستعمار . والظريف أن "جمعية الاستعمار" هي التي وطنتهم هناك .
اليوم، على رأي فيروز: "رجعت الشتوية" الاستعمارية . فالجنود الثلاثة آلاف مهمتهم مراقبة كل إفريقيا . إضافة إلى مئات الضيوف على منطقة "تامراست" الأمازيغية في جنوب الصحراء الجزائرية قبل سنوات من قحط الربيع .
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: التجارة الرابحة هي أن تخلق المشكلة أو تعلن نفسك الوحيد القادر على حلها، ثم تجعلها تفرخ المشكلات، والناس يدفعون أثمان أشياء لا علاقة لها بأصل المشكلة .

عبداللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail .com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"