شموس الرواد لا تغيب

00:55 صباحا
قراءة دقيقتين
لا تزال معظم الأسماء الشعرية التي أثرت المشهد الشعري العربي وأثّرت فيه، أمثال نازك الملائكة، ونزار قباني، ومحمود درويش، وبدر شاكر السياب، وأمل دنقل، ومظفر النواب، ومحمد الثبيتي وغيرهم، حاضرة إلى وقتنا هذا على الرغم من غياب بعضهم غياباً أبدياً قسرياً، أو غياباً اختيارياً، لكنها تحظى بالمتابعة وقراءة نتاجها الأدبي ودراستها عبر ندوات فكرية تتطرق إلى السمات الفنية في أعمالهم وتسليط الضوء على مرحلة عطائهم المتدفق المتوهج، باعتبار تجربتهم تمثل مرحلة انتقالية للتطور والتجديد وما تبع تلك المرحلة من رفض وقبول وتأكيد حضور في الواقع من عدمه.
كذلك فإن تداول نصوصهم الإبداعية التي تتماس مع المجتمع وقضاياه حضرت بقوة في المناهج الدراسية التي تربت الذائقة منذ صغرها عليها، كما أنها حضرت كذلك ولا تزال في الدراسات الأكاديمية العليا، ولم يطلها النسيان أو الضياع في زخم التطور المعرفي وطغيان التكنولوجيا كوسيلة مهمة من وسائل التعليم.
لكن بطبيعة الحال ومع ظهور جيل جديد من الشعراء الشباب، الذين استفادوا من تجارب الرواد عبر الوسائل التي سهلت وصول المعلومة والتي لم تتوفر للأجيال السابقة، وكذلك عبر العديد من المؤسسات الثقافية والمنابر الشعرية التي أتاحت لهم التعبير عن خلجات نفوسهم وتسويق أشعارهم بطريقة ميسرة، وكذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من الطبيعي أن يقل التركيز على تلك الأسماء ومنحها نفس الوهج والزخم الإعلامي التي كانت تحظى به، أضف إلى ذلك أن الشاعر ليس كائناً غريباً على كوكبه، بل هو إنسان يتغير مزاجه حسب الظروف المحيطة به، وهي كثيرة مثل المرض والإحباط وقلة الرغبة في الكتابة وغياب الملهم أو المحفز وكبر السن الذي تتبدل فيه الضرورات، وهي عوامل تؤثر بشكل كبير في علاقته بالكتابة، وربما هي طبيعة كونية من أجل أن تتوسع خريطة الحضور، وأن تتجدد مياه القصيدة وتظهر طاقات جديدة تناسب أو تتفهم الواقع المعاصر وتتعاطى مع الزمن والمكان بلغة، نظراً للتماس المباشر مع الحدث، وهو ما يؤدي إلى تلاحم الشاعر مع شعوره ورؤاه تجاه ما يراه.
قد يرجع بعض المتابعين للمشهد الشعري هذا الغياب أو الخفوت إلى أثر الأجناس الأخرى على الحضور الشعري لدى البعض، وأعتقد أن لا علاقة لها بهذا، فالشعر العربي منذ أن بزغت شمسه في العصر الجاهلي، وتفجرت ينابيع دهشته، وجرت أنهار روعته، لا يزال له حضوره الطاغي وسيبقى ديوان العرب وهوية الأمة، ومن وجهة نظري كذلك أرى أن لا منافس له بحكم أنه سماعي أكثر منه قرائي، فتجده حاضراً في الأمسيات الشعرية، والاحتفالات المختلفة، وتسمعه في الأغنية، وعبر وسائل التواصل المتعددة، ويردده الناس في مجالسهم، ويتمثلون بأبياته في الكثير من حالاتهم، بينما تقتصر بعض الأجناس الأدبية على القراءة وهي مضطرة إلى الطباعة حتى تصل إلى الناس.
ولهذا أرى أن الشعر علاقته معها علاقة تكامل وتراسل وتواصل، ومن وسائل التواصل مع الشعراء الرواد قراءة أعمالهم الشعرية، ومتابعتها عبر العديد من الوسائل، وهو ما يعني حضورهم الدائم في وجدان الأمة واعتبار كتاباتهم مرجعاً ومنبعاً تستقي من معينه الأجيال وتستنير من رؤاهم الأقلام الواعدة.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"