دفن الخلافات وتغيير المعادلة

03:27 صباحا
قراءة دقيقتين
نبيل سالم
ما يجري في عالمنا الحالي المملوء بالتناقضات الغريبة، وغير المفهومة، يشبه من يمشي على يديه، رافعاً قدميه إلى الأعلى، حيث يبدو كل شيء له مقلوباً، ففوقه الأرض، وتحته السماء، وكل شيء يبدو مشوّهاً، وغريباً.
هذه السطور ليست في الواقع سوى تعقيب على ما جرى في مدينة القدس المحتلة مؤخراً، ومقتل شرطيين «إسرائيليين» برصاص ثلاثة فلسطينيين استشهدوا في تلك العملية التي أغلقت «إسرائيل» بعدها المسجد الأقصى، ومنعت المسلمين من الصلاة فيه، ومن ثم أقامت أبواباً إلكترونية لمداخله.
والحقيقة أن تصرفاً «إسرائيلياً» كهذا ليس بالأمر المستغرب، ف«إسرائيل» هي قوة احتلال، ومن الطبيعي أن يلجأ أي احتلال لمثل هذه الإجراءات المخالفة للقانون الدولي.
ومع أن مسارعة العديد من العواصم، ولاسيما الداعمة للكيان الصهيوني، إلى إدانة الهجوم الفلسطيني على شرطة الاحتلال في المسجد الأقصى، أمر تعوّد العرب والفلسطينيون عليه، بسبب ارتباط هذه العواصم العضوي مع الكيان العنصري الصهيوني، والمصالح الاستعمارية التي تربط بينها وبينه منذ إقامته في فلسطين، إلا أن ما يثير الاستغراب أن بعض المسؤولين الفلسطينيين أدانوا الهجوم الفلسطيني على شرطة الاحتلال، كأن الفلسطينيين غادروا بلادهم، وهاجموا الشرطة في بلد مسالم ليس لهم معه أي مشكلة، مهما صغرت، وأنهم ارتكبوا جريمة بحق أناس أبرياء لا يمثلون لهم أي عدو، ولا يشكلون عليهم خطراً مهما صغر شأنه.
إذ كيف يمكن أن نسأل صاحب البيت عن سبب غضبه من وجود اللص في بيته؟
وكيف يمكننا إدانة الدفاع عن النفس والمقدسات، لمصلحة قوة احتلالية تمعن كل يوم في تقديم الدليل بعد الآخر على رفضها الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل وممارسة جميع أنواع الجرائم العنصرية بحقه؟
في الواقع، أن ما جرى في القدس مؤخراً، يشير إلى المستوى الخطير الذي وصلت إليه الأوضاع في عالمنا هذا، حيث بات البعض أسير شعارات كثيرة، كالعمل من أجل السلام، أو نبذ العنف، أو النضال السلمي أو السياسي، إلى آخره من المصطلحات التي حلت محل مصطلحات الدفاع عن النفس، أو المقاومة المشروعة، أو النضال الوطني، أو الكفاح المسلح، وهي شعارات تبررها كل القوانين الدولية التي تجرّم في الوقت ذاته الاحتلال، وتعتبره عدواناً بكل المعايير. البعض الراغبون في ما يسمونه السلام مع الكيان الصهيوني، يريدون أن يقنعوا الشعب الفلسطيني بسلمية هذا الاحتلال، لكنهم يتناسون أن مجرد وجود الاحتلال يمثل عدواناً صارخاً على الشعب الفلسطيني، وأن رجال الشرطة «الإسرائيليين»، هم جزء من مؤسسات الاحتلال الذي يجب على الشعب العربي الفلسطيني أن يقاومه، انطلاقاً من حق الشعوب في حريتها وحقها في تقرير المصير.
ويكفي هنا أن نذكر بأن معظم المستوطنات الصهيونية التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عام 1967، إنما أقيمت بعد انطلاق عملية التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني، وأن هذا العدو لا يمكن أن ترضيه التنازلات العربية مهما كبرت، بل بالعكس تماماً، كلما قدم له تنازل جديد طالب بالمزيد، وبالتالي فإن الذي يغير المعادلة، هو فقط دفن الخلافات الفلسطينية الفلسطينية، والتفاف القوى الوطنية الفلسطينية حول مشروع مقاوم للاحتلال بكل السبل، لأنه السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة التي تكفلها كل القوانين والأعراف الدولية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"