عادي

الاستمتاع باللحظات السعيدة.. حائر بين المعايشة والتوثيق بالكاميرا

23:00 مساء
قراءة 5 دقائق
1
1
1

تحقيق: بكر المحاسنة

اعتاد الناس على مدار سنوات طويلة على البحث عن الذكريات الجميلة في ألبوم صورهم، ومع التقدم التكنولوجي وظهور الأجهزة الذكية بات الشخص يفتح هاتفه ويرى ما سجّل فيه من فيديوهات، وما التقطه من صور، لكنّ هناك من يجد أن الانغماس في التصوير يضيع اللحظة الجميلة ومعايشتها فهي لن تتكرر، فيما يعتبر البعض الآخر التقاط وتسجيل اللحظات الجميلة يوازي أهمية معايشتها؛ لأنها بمثابة الأرشيف الذي يتم اللجوء إليه كلّما رغبنا في تذكّر ما حدث، خاصة حين يكون ذلك رفقة أحباء وأصدقاء غابوا عن العين أو رحلوا عن هذه الحياة.

حول هذا الموضوع ورأي خبراء علم النفس والاجتماع كان ل«الخليج» هذا التحقيق:

تقول دلال مطر الشامسي الأستاذة المشاركة في كلية العلوم في جامعة الإمارات، إنها تفضل الاستمتاع باللحظة والتأمل في المكان الذي تزوره؛ لأن ذلك يُنعش جميع الحواس الفكرية ويجلب الراحة للبصر والسمع. أما التركيز على التقاط الصور فيشد الانتباه نحو الأجهزة الذكية وجودة الصورة، ويشتت الحواس للتجاوب مع تنبيهات الجهاز الذكي الصغير، عوضاً عن الاستمتاع بأبعاد اللحظة الحقيقية واتساعها الشعوري. وتؤكد الشامسي أنها تهتم بتوثيق اللحظة الجميلة بالصور التي تمثل مراحل مفصلية في الحياة، مثل التخرج واليوم الدراسي الأول، ولحظات المناسبات والأعياد، وذكرى يوم الميلاد. أما لحظات الاسترخاء والخروج فلا تركز فيها على التصوير بقدر مشاهدتها، لحفظ تفاصيلها في العقل، وإن قامت بالتصوير فإنها تكتفي بالقليل حتى لا تضيع وقت الاستمتاع بمنظر المكان والأصوات المحيطة به.

صندوق الذكريات

وتفضل المذيعة مريم فكري الفرحة باللحظة وتوثيقها معاً، كي تظل هذه اللحظة محفورة في الذاكرة وألبوم الصور؛ لأن اللحظات الجميلة لا تعوض، ومن ثم مشاهدة هذه اللحظة بكل تفاصيلها على هيئة صورة تذكارية جميلة في الألبوم. وتقول: «مع مرور الزمن قد ينسى العقل بعضاً من مشاهد هذه اللحظات، وبمجرد رؤيتها في الصور فإننا نسترجع تلك الأوقات الجميلة». 

وتوضح الطالبة الجامعية سناء إسماعيل، أنها تفضل الاستمتاع بمشاهدة اللحظة الجميلة، لكن في بعض الأحيان توثقها في صورة لكي تبقى في صندوق الذكريات، لتعود إليها في أي وقت تشتاق فيه لرؤيتها في الوقت المناسب، على الرغم من أن التصوير قد يجعلها تفتقد متعة اللحظة الجميلة التي قد تحدث بشكل سريع ولا تتكرر مرة أخرى.

وتفضل الإعلامية زينب المطروشي، الاستمتاع باللحظات الجميلة أكثر من توثيقها؛ لأن التركيز على تصوير اللحظات الممتعة يبدد فرصة الاستمتاع بجمال الأماكن، ويضيع فرصاً كثيرة على الشخص. 

أما المصورة دانة فيصل نصر، فترى أن توثيق اللحظة الجميلة يتمثل في ثلاثة أقسام، فمن الناس من يضيعها فقط ليصورها فيتباهى بها أمام الأصدقاء والمعارف، ومنهم من يرغب في توثيقها لتبقى ذكرى يعود إليها دون أن يهتم بجمال الصورة أو تقنيات التصوير؛ بل دون أن يستمتع بالتقاط الصورة. أما القسم الثالث من الناس فيستمتع باللحظة وتوثيقها في وقت واحد، فالتصوير وتوثيق اللحظة بالنسبة لهذا النوع هو جزء من تميز اللحظة. وتقول: «التصوير يجعلنا نستمتع حتى باللحظات العادية؛ لأننا متمسكون بكاميرتنا وفي نفس الوقت نشاهد اللحظات من زاوية ومنظور مختلفين». وعن نفسها تقول إنها كمصورة تعيش اللحظة الحلوة والمميزة بتوثيقها بالتصوير، مما يجعلها منسجمة أكثر مع ذلك، فهي أصلاً تحب التصوير وتعيش اللحظة بإحساس جميل.

وتقول المعلمة رنا محمد الناصر، إن ما يزعجها كثيراً في تصوير اللحظات الجميلة، هو أنها قد تسرق فرحتها وسعادتها في وقت مشاهدة تلك اللحظة.

وتوضح د. إيمان غصين: «في بعض الأحيان يأتي الاستمتاع باللحظة الجميلة في الأولوية وأهم من التقاط الصور؛ لأن الشعور بالسعادة ينخفض في حال اهتمامنا بالتصوير».

أفكار إيجابية

ويرى د. فيصل إبراهيم محمد المطالقة أستاذ علم الاجتماع في جامعة العلوم والتقنية في الفجيرة، أن الاستمتاع باللحظات الجميلة هو رغبة كل فرد وجماعة، باعتبارها لحظات تبقى في ذاكرة الزمان والمكان، فالاستمتاع بالحياة فكرة وعادة لا تحتاج منا الكثير من الجهد والتعب، بقدر ما تحتاج إلى إرادة وإيمان بقدرتنا على العيش بسعادة، وما يتخلل ذلك من سلوكيات إيجابية تقودنا إلى طريق المتعة والسعادة في ظل معترك الحياة المزدحم، وما آلت إليه من تغيرات في العديد من الجوانب الاجتماعية والثقافية، وهو ما يتطلب منا أن نوجه أفكارنا نحو الإيجابية المعنوية والسلوكية لنحقق ونعيش أفضل اللحظات التي نحتفظ بها في ذاكرة الزمن.

ويقول المطالقة: «إن اللحظات السعيدة بين أن نعيشها أو نوثقها بالصور، أمر مرتبط بحالة شعورية عند البشر، ألا وهي الاحتفاظ بالذكريات الجميلة والمشاعر الإيجابية، التي سطرت طريق فرحنا وسعادتنا، والاشتياق لما هو جميل. أما الذكريات واللحظات الجميلة وكيف نعيشها، فتتباين بتباين الأفراد، فمنهم من ينشغل بتوثيق كل لحظة جميلة بالصوت والصورة لتبقى على رفوف الذكريات للعودة إليها كلما نبض القلب شوقاً. 

أما الآخرون فيفضلون أن يعيشوا اللحظة الجميلة دون الانشغال بالتصوير أو التدوين، ومن هنا فمن الجميل أن نمكّن أنفسنا من الاستمتاع باللحظات الجميلة وتوثيق سعادتنا وبهجتنا دون المساس بما هو جميل، أو أن نرجح كفة الانشغال بالتصوير على الاستمتاع باللحظات الجميلة، فتسرق منا السعادة والمتعة».

ألبوم خاص

وتقول الباحثة آمنة الظنحاني المدربة والمستشارة الدولية، إن تصوير اللحظات الجميلة موضوع اعتاده الناس منذ ظهور الكاميرا لالتقاط صور تذكارية في مناسبة أو حفلة أو رحلة أو منطقة جميلة، فكانت هذه الصور بعد طباعتها تحفظ في ألبوم خاص للذكرى مع الأبناء والأحفاد، فتصبح من ذكريات الماضي الجميلة. أما الآن فالوضع تغيّر مع الهواتف الذكية، وأصبح التصوير مبالغاً فيه، وهدفه حب الظهور في مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على أكبر عدد من المتابعين، وهذا للأسف لا يعطيك إحساساً بأن تعيش اللحظة.

وتضيف الظنحاني: «نلاحظ الكثير من السياح يلتقطون صوراً معبرة وهادفة حتى تبقى ذكرى للمكان الذي حطّوا فيه، وفي وقت لاحق يعودون لمشاهدتها وكأنهم يعيشون تلك اللحظات نفسها مرة ثانية، فهي تذكّرهم بذلك المكان وجماله وأهميته، وذلك أفضل بكثير من الاهتمام بالتصوير لأجل التصوير، فقد تصبح اللقطات والصور لا قيمة لها».

أما د. محمد علي عبد الرحمن المختص في العلاقات الاجتماعية والنفسية، فيرى أن التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أوجدت فرصة ذهبية للبشر لتأكيد أن جمال المكان لا يقتصر على من يرافقك فيه فحسب، فقد باتت أدوات التصوير هي الرفيق الرئيسي الذي من الممكن أن يوثق من خلاله الإنسان لحظات حياته ونشاطاته المختلفة، حتى طبيعة الطعام الذي يتناوله، فجميع رحلات السياحة والاستجمام لا تخلو من التقاط الصور التذكارية أو الصور التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل الحصول على الإعجابات والتعليقات التي أصبحت ضرورة نفسية تنعكس على صاحب الصورة، فبدون التصوير تبدو الحياة بلا مذاق؛ لأن الصور هي الذكرى الباقية.

ويشير إلى أن تصوير اللحظات الجميلة وبثها ونشرها على العموم في نظر البعض، وسيلة لدعوة الناس للمشاركة في مضمون التذوق الجمالي في صور المكان، كما أن الرغبة في التصوير أصبحت تشغل كثيرين عن الاستمتاع الحقيقي بالمكان، فالتقنيات الحديثة أسهمت في زيادة الإقبال على التقاط الصور، وكذلك سهولة حمل أداة التصوير وانخفاض سعرها، كما أن هناك علاقة تفاعلية مشتركة بين المكان واللحظات الجميلة والتصوير، وهي علاقة متطورة مع حداثة أدوات التصوير وجودتها، كما أن عيش اللحظات الجميلة بدأ يتكرّس في كمية الصور وجمالها في المكان وليس في الاستمتاع بشكل واقعي فيه، ومن الأسباب التي تقف وراء ذلك أن العصر الحالي يتطلب التفاعل المستمر مع الأنشطة الإنسانية اليومية وقضاياها المختلفة، في سبيل الحصول على المعرفة أو الرأي العام، سواء المؤيد أو المخالف أو الناقد لفكرة زيارة المكان من أجل صورة في صندوق الذكريات، فالاستمتاع باللحظة الجميلة أو توثيقها بالصور وجهان لعملة واحدة هي السعادة والتفاؤل، في ظل الحاجة الإنسانية المعروفة بالرغبة والفضول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"