تركيا وسياسة التوسّع الاستعماري

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

باكراً، دخلت تركيا على خط التحولات الجارية في العالم العربي بعد عام 2011، فدعمت الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وليبيا، نظراً لعوامل تقارب عديدة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والإسلام السياسي عموماً، والإخوان المسلمين على نحو خاص، إذ إن الاشتراك في الأيديولوجيا كان عاملاً مهماً، لكنه ليس الوحيد، فهناك العامل التنظيمي لدى القوى الإسلامية، والبنى المجتمعية المحافظة في معظم الدول العربية، إضافة إلى التجربة التاريخية للإسلاميين في تبني العنف، وكل هذه العوامل مجتمعة لعبت دوراً حاسماً في دعم تركيا لقوى الإسلام السياسي، في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة والنظام الدولي، حيث سعت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى الانفكاك التدريجي عن الشرق الأوسط، وهو ما أوحى بالحاجة إلى ملء الفراغ.
في ال 27 من نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، وقّعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية مذكّرتي تفاهم، الأولى تحت مسمى «مجالات الصلاحية البحرية في البحر المتوسط»، أما الثانية، فقد اختصت بالتعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، وقد أثارت المذكّرتان ردود فعل غاضبة على المستويين العربي والمتوسطي، خصوصاً أن المذكرة الأولى تتجاهل كلّياً دولتي قبرص واليونان، وتفسّر الحدود البحرية انطلاقاً من مبدأ «الجرف القاري»، وهو ما يسمح لتركيا أن تتقاسم مع حكومة الوفاق 400 ميل بحري، وكأن قبرص واليونان غير موجودتين كلّياً، وهو ما يخالف بشكل صريح «اتفاقية البحار» الموقعة في عام 1982، وبموجبها يحق لتركيا فقط 12 ميلاً بحرياً.
الخلل الإقليمي العام، والصراع الدولي المستجد في المنطقة، دفع تركيا نحو تبنّي سياسات توسعية، بغض النظر عن الاتفاقيات الدولية القائمة، بل في خرق كامل للمبادئ الدولية، على اعتبار أن المناخ السياسي العام في الشرق الأوسط لم يعد خاضعاً بشكل كبير للاتفاقيات الدولية، وبناءً عليه فهي تريد أخذ حصتها من المكاسب التي يطرحها الوضع الناشئ الجديد، فأحد الأهداف الكبرى للاتفاقية مع حكومة الوفاق هو الحصول على حصة كبيرة من النفط والغاز في المتوسط، فتركيا، ولئن كانت نقطة عبور رئيسية للنفط والغاز إلى أوروبا، إلا أنها ليست دولة منتجة للطاقة، وهو ما يكلفها سنوياً نحو 50 مليار دولار، وبذلك فهي تأمل أن توفّر لها الاتفاقية الجديدة مع حكومة الوفاق أن تدخل إلى نادي منتجي الطاقة الأحفورية في المنطقة، فعلى أقل تقدير ستكون قادرة على تحقيق اكتفائها الذاتي من الطاقة. تلعب تركيا على التناقضات العديدة في الساحة الليبية، ومنها حاجة حكومة الوفاق إلى دعم سياسي وعسكري، ومن ضمنه تأمين إمدادات السلاح، وهو ما يشكّل فرصة لتركيا، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة من أهم ثلاث دولة ناشئة في سوق تصدير السلاح في العالم، إلى جانب البرازيل والهند.
تطور التدخل التركي إلى هذا المستوى من التحدّي لقوى عديدة في الساحة الليبية، لم يكن ممكناً لو أن اللاعبين الموجودين قد تمكنوا من حلّ المسألة الليبية سياسياً، فقد انقسم الأوروبيون في أهدافهم نحو ليبيا، وأصبح التنافس الفرنسي - الإيطالي أحد أسباب استمرار الصراع الليبي، مع فشل كلا الجانبين في الوصول إلى تسويات في ما بينهما، تمهّد الأرضية لوجود إطار سياسي، يضع المسألة الليبية على سكّة الحل. سياسات حزب العدالة والتنمية الخارجية أصبحت في جزء كبير منها ذات توجه توسعي، في إطار اللوحة المعقدة سياسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، فلم يعد الاهتمام التركي بتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة أحد الأهداف المحددة لسياسات تركيا، بل التكيف مع الفوضى القائمة، والاستثمار في التناقضات الموجودة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، في ظل حالة انقسام أمريكي أوروبي داخل حلف الناتو، وعودة روسيا لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط.
مع انهيار منظومة الأمن والاستقرار التي سادت المنطقة لعقود من الزمن، تباينت ردود فعل الدول العربية تجاه الأحداث الجديدة، كما برز فشل كبير في الاتفاق على المصالح والرؤى، وبطء شديد في الاستجابة للتحوّلات، كل ذلك وجدته تركيا فرصة سانحة من أجل استعادة السياسات الاستعمارية، التي باتت تفرض حاجة ملحّة من أجل مواجهتها من قبل دول المنطقة العربية وغير العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"