الانتخابات البرلمانية الأوروبية ومستقبل الاتحاد

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
د .غسان العزي

قد يتراءى للبعض أن البرلمان الأوروبي هو بمثابة السلطة التشريعية الأوروبية كما هي حال البرلمانات الوطنية، لكن الحقيقة أنه بمثابة الواجهة الديمقراطية للاتحاد وليس بسلطته التشريعية. فالمجلس الوزاري الأوروبي هو من يملك سلطة إقرار التشريعات التي تعدها المفوضية، في حين يقوم البرلمان بالرقابة على إنفاق موارد الجماعة الأوروبية ما يجعله شريكاً فاعلاً بالقرار.
في عام ١٩٧٨ تم إقرار نظام الاقتراع المباشر لاختيار النواب الأوروبيين الذين يمثلون الدول الأعضاء، وفي العام التالي بين ٩ و١٢ يونيو/حزيران جرى انتخاب أول برلمان أوروبي لمدة خمس سنوات وكان عدد مقاعده لا يتجاوز ال44، وذلك بعد أن كان الأعضاء يعينون من قبل البرلمانات الوطنية في الدول التسع الأعضاء في «المجموعة الاقتصادية الأوروبية». ومع دخول دول جديدة في الاتحاد وصل عدد هذه المقاعد إلى ٧٣٢ في العام ٢٠٠٩. وقد نصت معاهدة برشلونة على أن لا يتجاوز عدد أعضاء هذا البرلمان ٧٥٠ بالإضافة إلى الرئيس مع تحديد 6 نواب كحد أدنى لكل دولة و٩٦ نائباً كحد أقصى بحسب عدد سكانها. كما يمكن الجمع ما بين العضوية في البرلمانات الوطنية والبرلمان الأوروبي.
إلا أن بعض الدول، كفرنسا على سبيل المثال، أقرت مؤخراً قوانين تمنع الجمع ما بين العضوية في البرلمان الأوروبي ومراكز عليا وطنية كالوزارة والنيابة ورئاسة البلديات وغيرها، وسيبدأ تنفيذ هذه التشريعات بدءاً من الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة.
يعقد هذا البرلمان جلساته العادية في مقره الرسمي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية أما الدورات الاستثنائية والطارئة فيعقدها في بروكسل.
منذ الانتخابات الأولى، العام ١٩٧٩، يتقاسم البرلمان الأوروبي ائتلافان كبيران هما ائتلاف اليمين الوسط والحزب الاشتراكي الأوروبي (منذ العام ٢٠٠٩ أضحى اسمه» التحالف التقدمي للاشتراكيين والتقدميين»). لكن منذ العام ١٩٩٩ سيطر اليمين على البرلمان ولا يزال إلى اليوم.
صلاحيات البرلمان الأوروبي تتزايد باطراد وكانت انتخابات ١٩٩٩ مفصلية بسبب دخول معاهدة أمستردام حيز التنفيذ والتي أدخلت إجراءً جديداً هو القرار المشترك في معظم المجالات التشريعية بين المجلس الوزاري والبرلمان. فقد زادت صلاحيات هذا الأخير الذي باتت تخضع لموافقته تسمية رئيس المفوضية.
في مايو/أيار ٢٠٠٤ دخلت عشر دول جديدة في الاتحاد الأوروبي فأضحى عدد دوله ٢٥( ٢٧ اليوم). وللمرة الأولى تخطى عدد الناخبين الأوروبيين ٣٥٢ مليون نسمة عليهم انتخاب ٧٣٢ نائباً. وقد شهدت انتخابات هذا العام تقدماً تاريخياً للأحزاب المعارضة للاتحاد الأوروبي من اليمين المتطرف. ففي فرنسا على سبيل المثال لا الحصر احتلت «الجبهة الوطنية» بزعامة مارين لوبان المركز الأول في الانتخابات، على غرار حزب نيجل فاراج البريطاني، أبرز أنصار البريكست، وحزب الشعب اليميني المتطرف في الدانمارك. في ألمانيا حقق حزب «البديل لألمانيا»، المولود منذ عام واحد فقط والمطالب بالخروج من الاتحاد، مفاجأة عبر حصوله على ٧٪ من الأصوات ما أتاح له الدخول في البرلمان الأوروبي.
هذه الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي موزعة على ثلاثة ائتلافات سياسية في ستراسبورغ ويصل عددها إلى ١٥٠ نائباً، رغم أن الأغلبية تبقى في يد اليمين الوسط يليه الحزب الاشتراكي.
لكن الفائز الأكبر في الانتخابات السابقة هو التغيب عن الاقتراع والذي وصل إلى مستوى غير مسبوق (٥٧،٤٪ ) ما يطرح أسئلة جدية حول اهتمام المواطنين بالسلطة ما فوق القومية الأوروبية.
ومن أجل تشكيل كتلة نيابية ينبغي جمع ٢٥ نائباً ينتمون إلى سبع دول أوروبية على الأقل. وينتظم النواب بحسب انتماءاتهم السياسية وليس جنسياتهم. ويتشكل البرلمان الأوروبي الحالي من ثماني كتل أقواها كتلة اليمين-الوسط (٢١٧ نائباً) ثم «التحالف التقدمي للاشتراكيين والتقدميين» (١٨٧ نائباً) و»المحافظون الإصلاحيون الأوروبيون»(٧٢ نائباً) وأضعفها «كتلة أوروبا الأمم والحريات» (٣٤ نائباً) التي تجمع الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تركز خطابها على السيادة والهوية الوطنية ومعاداة الهجرة واللجوء. هذا دون أن ننسى ٢٣ نائباً لا ينتمون إلى كتلة نيابية أتوا من أحزاب شوفينية يمينية متطرفة يمكن أن ينضموا إلى «كتلة أوروبا الأمم» في البرلمان المقبل والذي تجمع استطلاعات الرأي في معظم الدول الأوروبية على أنه سيضم عدداً أكبر بكثير من النواب اليمينيين المتطرفين.
من هنا تكتسب الانتخابات البرلمانية الأوروبية، بين ٢٣ و٢٩ مايو/أيار المقبل، أهمية خاصة هذه المرة نظراً لما قد تحمله من مفاجآت من قبيل تشكيل اليمين المتطرف، مع البريكستيين الإنجليز، لكتلة وازنة تؤثر سلباً في مستقبل البناء الأوروبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"