رئيس عربي جديد

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في مطلع أغسطس/ آب الجاري، تم تنصيب رئيس عربي جديد على رأس الحكم في بلاده، وسط اهتمام إعلامي عربي محدود، وبحضور 11 رئيساً إفريقياً معظمهم من دول الجوار، والرئيس هو محمد ولد الغزواني الذي تقلد رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وهو الرئيس العاشر لبلاده، والرئيس الموريتاني الثاني الذي يصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وقد فاز بنسبة 52 في المئة من الأصوات، وهي نسبة قل نظيرها في انتخابات عربية مماثلة، متجاوزاً المتنافس الثاني بنسبة كبيرة وهو المترشح بيرام ولد الداه ولد أعبيدي الذي حاز نسبة تزيد قليلاً على 18 في المئة. بينما بلغت نسبة الاقتراع أكثر من 62 في المئة.
أمضى الرئيس الغزواني ( 63 عاماً) منذ بلغ الثانية والعشرين من عمره، حياته المهنية في السلكين الأمني والعسكري، وآخر منصب تقلده هو منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. وباستثناءات محدودة ( ثلاثة رؤساء، من بينهم الرئيس الأول بعد الاستقلال مختار ولد داده)، فإن رؤساء موريتانيا كما هو حال البلد الشقيق المجاور: الجزائر، يتحدرون من المؤسسة العسكرية.
ورغم تحفظ قادة أحزاب المعارضة على نتيجة الانتخابات ومقاطعتهم لحفل تنصيب الغزواني الذين تمت دعوتهم إليه، إلاّ أن الرئيس الجديد تعهد في الخطاب الذي ألقاه بالمناسبة، بإشاعة العدل وأن يكون رئيساً لجميع الموريتانيين(4 ملايين و470 ألف نسمة)، وبالحوار مع جميع مكونات الطيف السياسي في بلاده.
ونتيجة لاعتراضها على نتيجة الانتخابات، فإن أول حكومة في عهد الغزواني قد خلت من ممثلي المعارضة وقد ترأسها وزير التكوين المهني السابق إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، وقد وصفت بأنها حكومة تكنوقراط، وضمت خمس وزيرات من بين 28 وزيراً.
ويرث الرئيس الجديد مشكلات تتعلق بالفقر والبطالة والمطالبة بحقوق عرقية للمتحدرين من أصول زنجية، وقد وقعت توترات عرقية عنيفة في البلاد أواخر ثمانينات القرن الماضي، أدت إلى رحيل بعض ذوي الأصول الزنجية إلى دول أخرى وبالذات السنغال، وتمت عودة أغلبهم قبل سنوات. لكن دمجهم في المجتمع وإلحاق من كانوا موظفين بمؤسسات الدولة مجدداً، سار بصورة بطيئة. ومع أن أغلبهم مسالمون ويقيمون علاقات طبيعية مع الأغلبية العربية، إلاّ أن بعضهم يطالبون بإحلال اللغة الفرنسية كلغة رسمية، فيما يطالب البعض الآخر بالاستقلال الذاتي.
وإلى ذلك، هناك مشكلة منع معارضين في الخارج من العودة، ومطالبة تنظيمات سياسية بالترخيص لها، ومنها الحزب المسمى «الرك» والذي يقوده المترشح الذي احتل المرتبة الثانية في النتائج بيرام أعبيدي، ولم تنجح مشاورات جرت بين الأخير وبين ممثلين للمجموعة الحاكمة عشية تنصيب الرئيس الغزواني، في تلبية هذا الطلب. غير أن تطوراً مهمّاً سبق الانتخابات الرئاسية، إذ أوفى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بأن تقتصر الفترة الرئاسية على ولايتين فقط، مدة كل منهما خمس سنوات كما يقضي بذلك الدستور، وهو ما أثار قدراً من الاطمئنان لدى المجتمع السياسي بأن مبدأ تداول السلطة قد جرى احترامه والتقيد به، وهو ما يُفترض أن ينعكس على مجمل أوجه الحياة السياسية والعامة.
كما تكافح البلاد منذ عقود لمواجهة مشكلة الرق، وهي مشكلة اجتماعية ضاربة الجذور ألحقت ضرراً بصورة البلاد في الخارج، إضافة إلى ما تثيره من مشكلات «ثقافية» في الداخل، وذلك لتعارضها الشديد مع مبدأ المساواة بين البشر، ومع اتساق مبدأ حقوق الإنسان. وقد قطعت البلاد أشواطاً تشريعية وإجرائية في تحريم الظاهرة، مما أدى إلى تقليصها بصورة كبيرة، غير أن حال الفقر والبطالة وبعض الأعراف الاجتماعية، تحول حتى الآن دون تجاوزها بصورة ناجزة.
وتتطلع الأنظار إلى الرئيس الجديد بأن يتمكن من التغلب على المشكلات التي تواجه بلاده، وخاصة مع تمتعه بخبرة طويلة راكمها في أثناء مسيرته المهنية الحافلة في قلب مؤسسات الحكم وفي صدارتها، فالحاجة ماسة إلى ما يشبه مصالحة وطنية شاملة، وربما إلى إرساء ميثاق وطني، يتشارك ممثلو المكونات الاجتماعية والسياسية في وضعه ويتعهد الجميع بالالتزام به، والاحتكام إليه، وذلك من أجل تدارك ما فات من فرص التنمية الشاملة، وحل المشكلات العالقة، وتطوير مؤسسات الحكم، وتنظيم العلاقة بين مستويات السلطة وممثلي المجتمع وتكريس سيادة القانون، وتطويره بما يتناسب مع طموحات الموريتانيين، وهي مبادئ سبق للرئيس الغزواني أن وضعها محوراً لحملته الانتخابية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"