تريم . . سلام عليك

05:09 صباحا
قراءة دقيقتين

وتمر الأيام أيها الصديق الراحل، وذكراك مازالت في الوجدان، خضراء، تعتذر عن كل الرماد الذي لحق بمنظومات القيم والوفاء، وبمفاهيم الوطن، ومعايير الجمال والعدل، وبالكلمة الطيبة، كأنك غادرتنا بالأمس، . . لكن هذا الأمس، فاض بمتغيرات درامية هائلة، وعواصف رمادية بلا خريف، وعمى سياسي وسعار استهلاكي، ونزعات جحيمية لا تشبع، حتى الجملة العصبية للثقافة، أصابها التسليع، فتقلصت قامة الإنسان لصالح طنين ثقافي بالغ الوحشة .

أجراسك الصاخبة التي قرعتها قبل أربعين عاماً، مازال لها صدى، لكن دويَّ كلام التبرير والتمرير، يطغى أحياناً ويخلق حالة شاذة من الإشباع الكاذب، . . هل تصدق أن هناك ممن عرفت، وقدمَّت له الضوء، يقشِّر عنك بلاغتك القومية، ويبرطع في عكس نشيدك، ويسخر من شعاراتك وهيجانك في أزمنة فكفكت فيه طلاسم الرطانة!

نذكرك كلما أزف الليل، وكلما ارتفع منسوب الغواية، وطفح العمى وانقطع تيار الوعي عن الضمير والدماغ، وكلما قلَّ الخجل في خطاب مثقفين لا يجدون حرجاً في قول الشيء ونقيضه خلال أقل من يومين . . هل تصدق أيها الراحل، أن أنيميا حادة أصابت هذه الأمة، فضعفت مناعتها، وتقاتل أبناؤها على زبيبة، وصارت أحصنتنا بغالاً عرجاء، وأصبح العدو الذي كان يتسوّل حق البقاء قبل ستين عاماً، هو الذي يمنح هذا الحق أو يحجبه عن الدول والعباد والحكومات .

سلام عليك، لقد كنت رجل موقف، مهَّدت الطريق لرسالة إعلامية وطنية، وأسهمت في تعلية كوابح وطنية، لصالح الإنسان والحرية، ولصالح خطاب يُصغي إليه من يؤمنون بالكرامة الإنسانية، وحب الوطن، والتقدم إلى الأمام .

حضورك . . كان ساطعاً، وغيابك كذلك .

سلام عليك .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"