أحلامهن و«السقف الزجاجي» الأمريكي

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

بفشل السيدات الست المتنافسات على ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية وخروجهن من السباق، تكون أحلام الطامحين بتولي سيدة منصب الرئيس قد تأجلت مرة أخرى وربما ليست أخيرة. أفضل المنسحبات وأكثرهن شهرة وأهمية بالفعل كانت السيناتور اليزابيث وارن. وقد أثارت هزيمتها المبكرة حالة من الدهشة والإحباط بسبب ما تحظى به من احترام وتعاطف كبيرين بفضل شخصيتها المتزنة، وتاريخها المشرف كأستاذة جامعية مرموقة وعضو في الكونجرس.
كثيرون حتى من غير مؤيديها اعتبروها الأقدر على تمثيل الحزب والفوز بالانتخابات العامة، وأن فرصها قد تكون أفضل من هيلاري كلينتون المرشحة السابقة التي خسرت أمام الرئيس ترامب. إلا أنه رغم هذا التعاطف ورغم المؤهلات التي تجعلها جديرة بالفوز، فإن الحقيقة التي تؤكدها كل الانتخابات السابقة ونحو 244 عاماً من العمل السياسي، هي أن المجتمع الأمريكي لا يتقبل حتى الآن فكرة وجود سيدة في منصب الرئاسة.
وتطلق وسائل الإعلام على هذه الحالة اسم «السقف الزجاجي» أي الحاجز الشفاف الذي يقف عقبة أمام طموح المرأة فلا يمكنها تجاوزه، فيما تبقى كل المناصب دونه مفتوحة أمامها. غير أن المدافعين عن حقوق المرأة يعتبرون أن حصول الأمريكيات على حصة عادلة من المناصب العامة، وليس فقط الرئاسة، مازال هدفاً بعيد المنال. وأن الولايات المتحدة رغم ديمقراطيتها وتقدمها ما زالت متأخرة كثيراً على صعيد المكاسب السياسية التي حققتها النساء مقارنة بدول أقل تقدماً، بل متخلفة.
على مستوى القمة تولت المرأة رئاسة الدولة أو الحكومة في 64 بلداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وفقاً لمؤشر قوة المرأة الذي يعده مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ويصنف الدول على أساس تقدمها في المساواة بين الجنسين في المشاركة السياسية. وحالياً توجد 19 دولة تقودها سيدات.
بالنسبة للمجالس التشريعية يبدو الواقع الأمريكي أشد تدهوراً، وتشير إحصائيات الاتحاد البرلماني الدولي إلى أن الكونجرس الأمريكي يقبع في المركز رقم 72 بين 139 مجلساً نيابياً من حيث نسبة الأعضاء من السيدات. الدولة الأولى، وقد يكون ذلك مفاجئاً، هي رواندا وتشغل المرأة 64% من مقاعد مجلس النواب و38,5% من مقاعد الشيوخ.
وتأتي قبل أمريكا دول مثل بوليفيا وكوبا والسنغال والسويد وفنلندا، وهذه الأخيرة تحكمها أصغر رئيسة وزراء في العالم. مقابل ذلك تشغل السيدات 23,6% فقط من مقاعد الكونجرس الأمريكي بواقع 126 سيدة من 535 عضواً. ولا يوجد في الإدارة الحالية سوى ثلاث وزيرات فقط من بين 15 وزيراً وهو أقل تمثيل للمرأة في الحكومة منذ عقود. في حين أن دولة مثل إسبانيا أكثر من نصف أعضاء حكومتها الحالية من النساء.
التفسير الأكثر شيوعاً لهذا التخلف السياسي الأمريكي هو أن المجتمع محافظ بطبيعته، وقد لا يمانع في منح المرأة كل ما تريد من حقوق باستثناء منصب الرئاسة. ألا أن هناك من يعتبر هذه الإجابة مجرد كلمات مهذبة للتعبير عن حقيقة مشينة وهي أن التحيز ضد المرأة مازال متغلغلاً في نفوس الأمريكيين.
يبدو هذا الاتهام صحيحاً إلى حد كبير؛ فقد أوضح استطلاع أذاعت نتائجه شبكة «ان بي سي» الشهر الماضي أن ثلثي الأمريكيين مقتنعون بأن بلادهم ليست مستعدة بعد لاختيار رئيسة للجمهورية، وأن ذلك وفقاً لرأيهم، عقبة كبيرة أمام أي مرشحة. أغرب ما أظهره الاستطلاع أن النساء المقتنعات بهذا الرأي أكثر من الرجال.
ثمة تفسير آخر تقدمه راشيل فوجلشتاين مديرة برنامج المرأة والسياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية هو أن فرص وصول المرأة للحكم في النظم البرلمانية تكون أكثر من النظم الجمهورية، لأنه في الأولى يتم انتخاب رئيس الوزراء من جانب أعضاء الحزب وليس الشعب أي عن طريق نخبة منتقاة تكون عادة أقل تعصباً ضد المرأة من الجمهور العادي.
أياً كان السبب، ستظل أحلام الأمريكيات بالوصول إلى البيت الأبيض مؤجلة على الأقل لدورة رئاسية قادمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"