طهران والأزمة السورية: أية تسوية؟

04:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

تؤكد مصادر إيرانية، على رأسها وزير الخارجية علي أكبر صالحي، أن طهران تعتزم تقديم مشروع تسوية للأزمة السورية خلال اجتماع دول عدم الانحياز في طهران يومي 30 و31 أغسطس/آب الجاري . وصف صالحي المشروع المزمع بأنه معقول جداً ويصعب الاعتراض عليه . لم يكشف رئيس الدبلوماسية الإيرانية عن المشروع، وذلك أمر مفهوم، غير أنه كشف كما قال عن اتصالات لحكومة بلاده ب بعض أطراف المعارضة السورية . سعت طهران منذ وقت مبكر لتطويق الأزمة جنباً إلى جنب مع وقوفها الذي لا لبس فيه، إلى جانب الحكم في دمشق . وقد جرت اتصالات إيرانية مع جماعة الإخوان المسلمين السوريين في تركيا ربيع عام 2011 تم خلالها عرض مناصب وزارية على الجماعة في دمشق التي رفضت العرض في حينه . وقد اشتقت الدبلوماسية الإيرانية خطاباً يقوم على دعم فكرة التوصل إلى تسوية، واعتبار أن هناك مؤامرة من الغرب يتعرض لها النظام في دمشق . تستند طهران في حماستها للتوصل إلى تسوية ما للأزمة على علاقات وثيقة، واستراتيجية مع دمشق بما يسمح لها ببعض التأثير في الحكم السوري . غير أن طهران وهي طرف إقليمي بارز ما زالت تتصرف منفردة بخصوص التعامل مع الأزمة، وتتجاهل الأطراف الإقليمية الأخرى المهمة: مصر وتركيا والسعودية . لقد طرح الرئيس المصري محمد مرسي قيام كل من القاهرة والرياض وطهران وأنقرة بجهد مشترك وإنشاء مجموعة اتصال ما بينها للإسهام في وضع حد للأزمة . لم يلق العرض الصدى الإعلامي الذي يستحقه، وقد جرى التعبير عن العرض في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الأخير في مكة، وقد رحبت طهران بالفكرة على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية رامين مهمن برست، غير أن طهران تتحدث الآن عن مشروع منفرد خاص بها . وبطبيعة الحال، ونظراً لهذا الانفراد، فإن الدول الثلاث الأخرى لن تكون متحمسة لقبول العرض الإيراني، والذي قد ينظر إليه على أنه محاولة لإفشال الجهد الرباعي، بعد الترحيب الإيراني الدبلوماسي به . في الرد على ذلك كان وما زال يُفترض بكل من القاهرة والرياض وأنقرة أن يجتمع ممثلون عن هذه الدول، وأن تتم دعوة طهران للانضمام إلى هذه الاجتماعات، فذلك أفضل بكثير من أي مبادرات منفردة لن يكتب لها النجاح، وسوف تكون مضيعة للوقت، فيما الدم السوري ينزف بغزارة كل ساعة . وهو أفضل بالذات لطهران التي تتهمها المعارضة السورية بمشاركة مباشرة لعناصر منها في التنكيل بالمدنيين السوريين، وبالذات في العاصمة دمشق .

تُحسن طهران صنعاً إذا أبدت مشاعر تضامن حقيقي مع محنة السوريين، وإذا دعت حليفها في دمشق إلى الكف عن إبادة عائلات واستهداف المدنيين وحتى المساجد (كما حدث الجمعة الماضية 24 أغسطس/آب في داعل بدرعا وريف دمشق) بقصف المدفعية والطائرات . فالبراعة الدبلوماسية تتأسس على مواقف صائبة، نزيهة وملموسة، وليس فقط على مهارات لعبة الشطرنج، كما هي طريقة التفاوض الإيراني مع الغرب بخصوص الملف النووي . فالشعب السوري ليس هو الغرب، والانتصار على أطفاله ونسائه ليس مفخرة لأحد .

في أوقات سابقة ظهر لون من التباين بين طهران ودمشق بخصوص معالجة الأزمة . غير أن هذه التباينات سرعان ما كانت تضمحل، ويحل محلها تطابق في وجهات النظر بين العاصمتين، كما جرى التعبير عن ذلك في زيارة أخيرة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران في يوليو/تموز الماضي .

وفي منطق الأمور وطبيعة الأشياء فإنه ليس مطلوباً من طهران أن تدير الظهر لحليفها العربي الوحيد، بل أن تؤدي دور الناصح الأمين، فلدمشق في هذه الظروف مصلحة ربما تفوق مصلحة طهران في العلاقة الثنائية بين الطرفين، وأن تمارس طهران على حليفها تأثيرها المعنوي والفعلي من أجل الكف عن تقويض الاقتصاد وتمزيق الجيش، فحتى لو انتصر النظام في حربه هذه، فلن يكون في وسعه مواصلة الحكم فوق أنقاض بلده وشعبه .

من الملاحظ في هذه الأثناء أن طهران وهي تستعد لطرح مشروعها لتسوية الأزمة السورية، فإنها تبدي اهتماماً فائقاً ومسبقاً بالضيف المصري الرئيس محمد مرسي، المرتقب وصوله إلى طهران في قمة عدم الانحياز، ولأسباب غير خافية منها على الخصوص الرغبة في مد الجسور مع الشارع الإسلامي السني في مصر، وبقية الدول العربية . غير أن ما يتعين أن يكون موضع اهتمام هو أن العهد المصري الجديد، إذ يعبر عن تقدم جماعة الإخوان المسلمين في مصر ودول أخرى، إلا أن هذا العهد هو في المقام الأول ثمرة للربيع العربي ولائتلافات شعبية واسعة النطاق، وأن مواقف العهد الجديد محكومة بما يمليه الرأي العام المصري لا جماعة الإخوان وحدها، وما زالت الدولة المصرية في عهدها الجديد تنكب على المعالجة القضائية لمقتل 300 متظاهر مصري إبان أحداث ثورة 25 يناير، ما يجدر معه بالمضيفين الإيرانيين ملاحظة أن سقوط نحو 25 ألف سوري حتى تاريخه، ليس بالحدث الذي يمكن القفز عنه، أو الاستخفاف بدلالاته لدى المصريين وسواهم، واعتبار النظام في دمشق طاهر الثوب والذيل رغم هذه المذبحة النكراء المتوالية فصولاً، كما يرغب البعض في طهران في رؤية الأمور .

قصارى القول هنا إن نجاح أي مشروع إيراني للتسوية مشروط ابتداء بالسعي للتفاهم الوثيق مع دول الإقليم الثلاث، وليس مرهوناً بشق صفوف المعارضة السورية كما تنبئ المقاربات الإيرانية حتى الآن .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"