عادي

انقلاب ميانمار.. مقدمات معروفة ونتائج مبهمة

23:48 مساء
قراءة 4 دقائق
1

إعداد - بنيمين زرزور

الانقلابات ظاهرة تحمل في طياتها تناقضات سياسية متعددة سواء من حيث دوافعها أو تنفيذها أو النتائج التي تتمخض عنها لجهة انتقال السلطة ومنعكساتها على التنمية والتطور خاصة في بلدان العالم الثالث. 

في غياب النظام السياسي المستقر القائم على سيادة القانون يصبح منطق القوة ومراكز الثقل في التركيبة السياسية والاجتماعية هو السائد، وما حصل في دولة ميانمار (بورما سابقاً)، لا يشذ عن هذه القاعدة إلا في نقطة وجود النظام السياسي، لكن سيادة القانون هي موضع الخلاف والمبرر الذي يتذرع به الانقلابيون بعد انتخابات يقولون إنها غير نزيهة.
 والانقلابات في ميانمار، التي تقع جنوب شرق آسيا وتشترك في الحدود مع الصين والهند ولاوس وبنجلاديش وتايلاند، ليست جديدة كما أن الانقلاب الأخير لم يكن ضد سلطة مدنية، بل على شركاء في الحكم ولاحت نذره في الأفق منذ ظهور أول نتائج الانتخابات الأمريكية. 
وعززت احتمالات تنفيذه تبعات تفشي وباء كوفيد-19 ومنها قيود السفر في دول جنوب شرق آسيا ومنها ميانمار كغيرها من دول العالم. وقد أثارت هذه المعطيات مخاوف العسكر كما عززت فرص نجاح انقلابهم في نفس الوقت قبل أن يستكمل حزب الرابطة الوطنية بزعامة أونج سان سو كي، سيطرته على كامل مؤسسات الدولة بعد حصوله على 258 مقعداً من أصل 330 في الانتخابات الأخيرة التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
 وتوالت ردود الأفعال المستنكرة من مختلف دول العالم مصحوبة بتهديدات أمريكية لم تتأخر، بفرض عقوبات على الانقلابيين، وسط مخاوف من أن تتعرض الأقلية المسلمة من قبائل الروهينجا وعدد أفرادها يزيد على المليون يعيشون في إقليم أرخين، والتي صدر تقرير لجنة التحقيق الدولية في ما تعرضت له من مجازر وحمل هيئة الخدمات العسكرية في البلاد مسؤوليتها، لموجة جديدة من عمليات الإبادة الجماعية.
 ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس التطورات الأخيرة بأنها طعنة للديمقراطية معرباً عن قلقه البالغ وإدانته لاحتجاز مستشارة الدولة أونج سان سوكي وغيرها من القادة السياسيين.
 ورغم أن ظاهرة الانقلابات في الدول الضعيفة قد لا تشكل مفاجأة إلا أن انقلاب ميانمار جاء بعد فترة هدوء طويلة لم تشهد فيها آسيا حوادث مماثلة خلال السنوات العشر الماضية. 
 إلا أن هذا لا يعني أن دول آسيا حتى الضعيفة منها، أكثر عرضة لمحاولات الانقلاب وإن كانت الظروف الاقتصادية التي خلفها تفشي الوباء أججت الاحتجاجات الشعبية في عدد من تلك الدول وربما باتت ذريعة لأحزاب المعارضة أو للعسكر الطامعين في السيطرة. ويبدو أن حظوظ المحاولات الانقلابية في النجاح تتراجع في عصر الاتصالات الرقمية وتطور وأنظمة التجسس التي تضيق على التنظيمات السياسية المدعومة عسكرياً إمكانية تنظيم التحركات.كما تحول الاستقطابات السياسية بين دول القارة سواء منها ما كان تحت المظلة الأمريكية أو الروسية وحتى الصينية، دون تكرار المحاولات الانقلابية خشية الفشل في تأمين الاعتراف عالمياً والتعرض للعقوبات كما حصل في ميانمار.
 العلاقات مع الجوار
 تحركت ميانمار في السنوات الأخيرة لتطوير العلاقات الاستراتيجية والتجارية مع الهند، والتي تشترك معها في حدود برية طويلة وخليج البنغال. تظهر زيادة التعاون التجاري والعسكري مع الهند وتنمية العلاقات الثنائية مع اليابان وداخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (أسيان) تحولاً في السياسة الخارجية لميانمار لتجنب الاعتماد المفرط على الصين. وكانت مشاركة الهند في ميانمار ما تزال محدودة بحلول عام 2018، وذلك مقارنة بالتأثير السياسي والاقتصادي للصين.
  وشهدت العلاقة مع الصين توتراً بلغ حد الاحتكاك العسكري في دوكانج عام 2018 لكن الحادثة مرت دون تبعات تذكر، حيث اعتذرت وزارة الخارجية البورمية للصين فيما بعد عن الحادثة. وتحض الصين ميانمار على ضمان استقرار المنطقة الحدودية وحماية مصالح مواطنيها في ميانمار. واللافت أن الأخيرة سمحت بظهور الدالاي لاما في صحفها بعد عشرين عاماً من الحظر، في تطور اعتبره المراقبون تحدياً لبكين. إلا أن العلاقات اتخذت منحى آخر بعد لقاء أونج سان سو كي مع شي جين بينج، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في بكين، حيث عززت ميانمار علاقاتها مع الصين في مواجهة الانتقادات العالمية ضد اضطهاد الروهينجا.
 ورصدت منظمات دولية مختلفة منذ أغسطس/أب عام 2018 ارتفاعاً واضحاً في عدد المشاريع الصينية في ميانمار، كما سعت ميانمار إلى الحصول على مزيد من القروض وبرامج الدعم الصينية منذ فبراير/شباط 2019، ما أثار المخاوف من وقوعها في «فخ الديون» الصيني الذي وقعت فيه سيريلانكا من قبل.
 الدول الغربية
 من جانبها اتخذت الولايات المتحدة موقفاً قوياً من الانقلابيين، حيث أكدت المتحدّثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، أن الولايات المتحدة تُعارض أيّ محاولة لتغيير نتائج الانتخابات الأخيرة أو عرقلة التحول الديمقراطي في ميانمار، وستتخذ الإجراءات المناسبة ما لم يتم التراجع عن الانقلاب.
 ونقلت رويترز عن دبلوماسيين ونواب غربيين قولهم إن فقدان أونج سان سو كي، مكانتها كرمز لحقوق الإنسان، قلل من حماس دول الغرب لها كزعيمة لميانمار، لكن ذلك لا يعني التخلي عنها وعدم المطالبة بإخلاء سبيلها. واللافت أن بعض حكومات الدول الغربية لم تتطرق إلى سو كي بالاسم في بيانات إدانتها للانقلاب. وجاء في تغريدة لوزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك على تويتر «يجب الإفراج عن جميع الساسة المنتخبين ديمقراطياً وممثلي المجتمع المدني دون تأخير». وقالت هايدي هاوتالا نائبة رئيس البرلمان الأوروبي إن فوز حزب سو كي يعطيها الحق في لعب دور محوري في العملية الديمقراطية في ميانمار.
 ويرجح المراقبون أن تستفيد سوكي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام من حادثة الانقلاب في زيادة دعم دول العالم، حيث حولها الانقلاب إلى «ضحية»، لكن الغرب يدرك أن سيطرتها على العسكريين محدودة رغم شعبيتها.
 ومن بين دول الغرب سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا للتهديد بفرض عقوبات مباشرة على قائد الجيش القوي في ميانمار الجنرال مين أونج هلاينج، بينما قد يبدي الاتحاد الأوروبي دعمه لسو كي، من خلال فرض عقوبات لاحقاً، وسط ترجيح بوقف مساعدات التنمية لدولة ميانمار.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"