أطفال سوريا بين الحياة والموت

03:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي
الحرب في سوريا دخلت عامها السادس، لترسم للمتابع أسوأ ما يمكن تخيله عن فظائع الحروب وكوارثها. حرب شعواء مدمرة أكلت الأخضر واليابس، اجتمعت فيها قوى الشر وأعداء البشرية والإرهابيون وأجهزة استخبارات ليطحنوا الشعب السوري طحناً، في معركة مصالح يستميت فيها كل طرف في الدفاع عن مصالحه حتى العظم، والأوضاع الإنسانية في سوريا في تدهور مستمر، وصرخات المنظمات الإغاثية وعقلاء العالم تعلو يوماً بعد يوم، وأرقام الموتى في تزايد، ولكن لا حياة لمن تنادي.
ست سنوات وأطفال سوريا بين الحياة والموت، منهم من مات فعلاً تحت القصف وإطلاق النار العشوائي من جميع الأطراف، ومنهم من مات تحت أنقاض المباني والبيوت المتهاوية التي دمرت على رؤوس من فيها، والناس شاهدوا عبر وسائل الإعلام مناظر مفجعة لأطفال سوريين أبرياء تم انتشالهم من تحت أنقاض الركام جثثاً هامدة، ومنهم أطفال رُضَّع خرجوا إلى الدنيا على أمل أن يكبروا ويترعرعوا، ولكن سرعان ما رحلوا عنها شهوداً على فظاعة هذه الحرب وقساوتها، ومنهم من ضمَّهم «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى والعصابات لصفوفهم، واستخدموهم وقوداً لحروبهم ومخططاتهم، ومنهم من مات بسبب الغارات الجوية للطائرات الأجنبية التي قتلت أكثر من 1000 طفل سوري بريء في حربها ضد المعارضة السورية. والكل يقتل الكل، نظام ومعارضة وتنظيمات وميليشيات وعصابات، والفاتورة الثقيلة يدفعها الشعب السوري من دمائه التي تنزف وأرواحه التي تزهق وأطفاله الذين يبادون ويشردون.
ومن بقي من الأطفال على قيد الحياة وفلتوا من الموت لا تقل أوضاعهم مأساوية وكارثية، فمنهم أطفال محاصرون يهددهم الموت، ومنهم من يعيشون في ظلال الخوف والفزع وسط نيران الحرب الطاغية، ومنهم من بُتِرت أطرافهم، وأصبحوا معاقين، بعضهم فَقَدَ ساقيه، وبعضهم فَقَدَ يديه، وبعضهم فَقَدَ جميع أطرافه، ومنهم من تفتك بهم الأمراض ولا يجدون الرعاية الطبية، ومنهم من نزحوا مع عائلاتهم إلى دول الجوار كلاجئين محرومين من أبسط حقوقهم من الغذاء والصحة والتعليم والمأوى والمأمن، ومنهم من يجوب شوارع تلك البلدان يبيع للمارة علب بسكويت أو محارم أو خردوات ليساعد أسرته، ويتكفل بشيء من متطلبات الحياة القاسية بدخل قليل لا يسد رمقاً، ويكدح في سبيل لقمة العيش، في الوقت الذي يفترض أن يعيش طفولته البريئة المرحة.
قصص مؤلمة كثيرة كتبت بالدم عن أطفال سوريا تنزف ألماً وحسرة، تعجز عن وصفها الكلمات والسطور. وفي تقارير لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة فإن أكثر من ٨٠% من أطفال سوريا تأثروا سلباً بالحرب، سواء داخل الأراضي السورية أو خارجها كلاجئين، ومنهم أكثر من مليون طفل سوري لاجئ محروم تماماً من التعليم. فمن سيئات الحرب حرمان هؤلاء الأطفال من التعليم والدراسة، ونشر الأمية والجهل في صفوفهم، ومنهم من هو في العاشرة ولا يستطيع كتابة اسمه، وإن سألت الطفل السوري المحروم ما هو حلمك اليوم، لقال أتمنى أن أدخل المدرسة، لأدرس وأتعلم وأبني مستقبلي، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فرياح الحرب جرفت سفن هؤلاء الأطفال الأبرياء من شواطئ الأمل والدفء والحنان إلى قيعان مظلمة حرمتهم من كل شيء جميل، فأصبح منتهى أملهم أن يجدوا متطلبات يومهم الأساسية، وأما المستقبل فقد أصبح بالنسبة لهم ضرباً من المجهول.
مشكلات اجتماعية ونفسية كثيرة عند الأطفال، وكثير منهم يعاني الخوف المستمر والقلق وعدم الاستقرار، فتبعات الظلال النفسية للحرب لا تقل خطورة عن الحرب نفسها.
تحكي مأساة هؤلاء الأطفال قصة وطن جريح، نهشته مخالب الأطماع الداخلية والخارجية، وحولت ماضيه المتلألئ إلى حاضر مظلم أسود كئيب، مجهول المستقبل والمصير، وقد أصبح وطناً مدمراً ممزقاً بسبب الحرب، يحتاج إلى سنوات كثيرة وإمكانات طائلة لإعادة إعماره من جديد، ويتردد في العقول بين آنٍ وآخر سؤال واحد ليس له جواب: متى لهذه المأساة أن تسدل ستارها؟ فإطالة أمد الحرب ليست في مصلحة أحد، لأن جميع الأطراف ستكون خاسرة، والخاسر الأكبر هم الضحايا الأبرياء.
آن الأوان لهذه الحرب الوحشية أن تضع رحاها، وتعود جميع الأطراف المتحاربة إلى رشدها، وتقدم التنازلات للخروج من هذا النفق المظلم، والوصول إلى تسويات سلمية شاملة من أجل الشعب السوري الجريح، الذي تحمل من الهموم والآلام والآهات ما فيه الكفاية، بل حمل من المعاناة أثقالاً تعجز عنه الجبال.
آن الأوان لهذه الأثقال أن تنتهي، لتعود للأطفال السوريين بسمتهم المسلوبة، ويستردوا حقهم في حياة كريمة كغيرهم من أطفال العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"