المعركة التالية في حرب الأخبار المضللة

00:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

تيموثي جارتن آش *

تشكل منصات التواصل الاجتماعي: «فيسبوك» و«تويتر» و«فوكس نيوز» من خلال طمس الحقائق، خطراً على الديمقراطية؛ لكن يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواجهتها من خلال العمل معاً.

 تحتاج الديمقراطية إلى حد أدنى من الحقيقة المشتركة؛ كي تبقى على قيد الحياة، وقد كشف اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن في 6 يناير/كانون الثاني، مدى خطورة الأمر عندما يتم دفع ملايين المواطنين إلى إنكار حقيقة مهمة تم التحقق منها بعناية؛ أي من الذي فاز في الانتخابات.

ولكي تزدهر الديمقراطية، تحتاج إلى بيئة مشتركة؛ توفر حيزاً عاماً يشترك فيه المواطنون مع ممثليهم في امتلاك حجة قوية قائمة على أساس الحقائق المشتركة. ومهمة استعادة هذا النوع من الحيز العام، هي الآن مهمة مركزية لتجديد الديمقراطية الليبرالية، يمكن أن نسميها «حقيقة المقاومة».

 مما لا شك فيه، أن أثينا القديمة منبت الديمقراطية، لم تواجه صعوبات في ترسيخ مثلها الثورية الخاصة بالمساواة وحرية التعبير من أجل المصلحة العامة. كما أن ساحة العمل السياسي الأمريكية، لا تعاني صعوبات حتى قبل فوكس نيوز وفيسبوك؛ بل كانت تتجنب مواجهة أسطورة العصر الذهبي لما قبل زوكربيرج، عندما كانت مياه الحقيقة الصافية تتدفق فقط من أفواه صحفيين مسلحين بقيم عليا، وكان جميع المواطنين من العقلانيين والمطلعين والمنفتحين ضمن حدود الاحترام المتبادل؛ لكن معظم الديمقراطيات ابتعدت في السنوات الأخيرة عن المثل الأعلى الأثيني: بعضها بسرعة كما في الولايات المتحدة وبولندا، وبعضها الآخر أبطأ كما في ألمانيا وبريطانيا.

 ولمواجهة هذا التحدي، نحتاج إلى استراتيجية ذات مسارين، في المسار الأول، يجب على الديمقراطيات الفردية معالجة المشكلات الخاصة ببيئات المعلومات الوطنية الخاصة بها. في بريطانيا، على سبيل المثال، تعد معركة الدفاع عن شبكة «بي بي سي» وتحسين أدائها أكثر أهمية من أي شيء تفعله حكومة المملكة المتحدة بشأن «فيسبوك» أو «تويتر».

 فالمعلومات التي تقدمها شبكات رصينة مثل «بي بي سي» ليست مؤكدة فحسب؛ بل توفر لنا مجموعة متنوعة من الحجج في مكان واحد؛ هو مسرح الحدث السياسي الرقمي. يجب على أي ديمقراطية لديها مؤسسات إعلامية محترمة مضاعفة ميزانيتها، وتعزيز استقلالها عن الحكومة وتكليفها بتعزيز الساحة الرقمية العامة لمواطني الغد.

 أما في بولندا؛ حيث عطل النظام الشعبوي محطات البث الحكومية الملتزمة، فقد بات من الضروري لجم الأصوات البديلة التي تبثها محطات يملكها القطاع الخاص لا تلتزم بأدنى معايير الأداء المهني.

 وفي الولايات المتحدة لا يوجد نقص في وسائل الإعلام المتنوعة والحرة والمملوكة للقطاع الخاص، بما في ذلك بعض أفضل وسائل الإعلام في العالم؛ لكن المشكلة تكمن في أن الأمريكيين قد انقسموا بين عالمين إعلاميين منفصلين لكل منهما أدواته بدءاً من القنوات التلفزيونية المختلفة والمحطات الإذاعية، وانتهاء بقنوات يوتيوب وصفحات فيسبوك وتويتر.

 وفي ظل هذا الانقسام لا توجد دولة مهما كانت كبيرة، قادرة على مواجهة هذه الاحتكارات الإعلامية؛ حيث نحتاج في هذا المساق الإعلامي الرقمي، إلى عمل منسق لكتلة حرجة من الديمقراطيات بدءاً من الولايات المتحدة وانتهاء بالاتحاد الأوروبي.

 وتعد الولايات المتحدة رائدة في مجال تحديد الاتجاهات الرقمية في العالم، بينما يعد الاتحاد الأوروبي رائداً في وضع المعايير. وفي حال ضم القوتين، أي مصمم الاتجاهات وواضع المعايير، وإضافة مجموعة من الديمقراطيات الرائدة الأخرى؛ نحصل على مزيج من السوق والقوة التنظيمية التي يجب أن يذعن لها صاحب التميز الرقمي مارك زوكربيرج.

 إن هذه المنصات الأمريكية العملاقة اللاهثة وراء الربح ليست وسائل إعلام محترفة ولا دور نشر متخصصة؛ بل هي ابتكار وسط بين هذا وذاك، محصور بين الحسابات؛ وتوزيع الأخبار؛ وترويج المحتوى الذي يقدمه غيرهم، وفي الوقت نفسه يعدون من المستغلين الذين يتاجرون بالبيانات.

 ما نحتاج إليه الآن هو عملية تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لاستخلاص بعض السياسات المتماسكة من خلاصة مجموعة كبيرة من الأبحاث الجيدة. سيعتمد بعضها على الكونجرس الأمريكي الجديد، مثل تعديل قانون آداب الاتصالات في الولايات المتحدة؛ لجعل المنصات مسؤولة بشكل أكبر عن كبح المحتوى الضار. وسيتطلب البعض الآخر مزيجاً استراتيجياً من سياسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي وتشريع مكافحة الاحتكار الأمريكي.

 من الناحية المثالية، سيؤدي هذا إلى طرح مجموعة من المقترحات قبل «قمة الديمقراطيات» التي يخطط لها الرئيس الأمريكي، جو بايدن. من المؤكد أن 80 دولة مشاركة في القمة لن تتبنى إجراءات متماثلة؛ لكن يجب أن يكون هناك بعض الاتساق في المبادئ الأساسية والأساليب الأساسية. علاوة على ذلك، فإن القوى العظمى الخاصة هي الوحيدة القادرة على تحمل كلفة الامتثال ل80 مجموعة مختلفة من الأنظمة، وبالتالي تعزيز الاتجاه المصيري للاحتكار عن غير قصد. بما أن هذه شركات أمريكية، فإن هناك مسؤولية خاصة تقع على عاتق واشنطن. هذه فرصة فريدة للولايات المتحدة الأمريكية لإظهار قدرتها على الاستماع وعلى القيادة أيضاً.

* أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة أوكسفورد. (ذا جارديان)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة أوكسفورد

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"