ريح عاتية تعصف بالحلم الكردي

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
تبدو المشكلة الكردية مع الإصرار على إجراء استفتاء في كردستان العراق اليوم، وكأنها دخلت وخلافاً للنظرة التفاؤلية لمسؤولي الإقليم في نفق الخيارات البنيوية الصعبة. فمنظمو الاستفتاء صعدوا إلى أعلى الشجرة ويصعب عليهم البقاء حيث هم، كما يصعب عليهم النزول. وعلى ما قال أحد هؤلاء المسؤولين فإن كلفة الامتناع عن إجراء الاستفتاء، لا تقل عن كلفة إجرائه. ومعنى ذلك أن هناك كلفة عالية في الحالتين.
لطالما سمع مسؤولو الإقليم من عواصم مختلفة في الغرب عبارات تؤيد حق تقرير المصير للإقليم الكردي. غير أن أصداء تحديد موعد للاستفتاء تخلو من أي رد فعل إيجابي على الخطوة المزمعة. هكذا و«فجأة» اكتشف الأكراد أن لا أصدقاء لهم هنا وهناك وهنالك. فلا أحد يريد أن يتحمل تبعة تأييد خطوة غامضة العواقب. والمجتمع الدولي يأخذ في الاعتبار مصالحه مع دول قائمة معلومة، ولا يراهن كثيراً على دولة مجهولة ليس معلوماً إن كانت قابلة للحياة والبقاء، أم لا. وهكذا التقت إيران وتركيا على سبيل المثال في رفض الكيان الكردي المرتقب، واعتبرته أنقرة وطهران ماسّاً بالأمن القومي لكل منهما. والقوى المحلية في العراق التي لم تلتق قبلاً على شيء، باتت موحدة في الوقوف ضد كيان كردي.
والولايات المتحدة التي طالما ناصرت الحركة الكردية، جنحت إلى الرفض واعتمدت موقفاً يقوم على أن الوقت غير مناسب لهذه الخطوة من دون أن تفصح عن التوقيت المناسب. أما روسيا فترى مصالحها مع إيران ومع القوى المؤيدة لإيران في العراق وليس مع طرف طالما تصادق مع غرمائهم الأمريكيين. أما الأوروبيون الذين طالما غازلوا الأكراد، فقد اعتصموا بالصمت. وقد جاءت الضربة الدبلوماسية القاضية من مجلس الأمن الخميس 21 سبتمبر/أيلول بإجماع أعضائه ال 15 الدائمين وغير الدائمين، فقد أبدى المجلس معارضته الاستفتاء على الاستقلال محذراً «من أن هذه الخطوة الأحادية من شأنها زعزعة الاستقرار، مع تجديد المجلس تمسكه بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه». ولا شك أن هذا الإجماع الدولي قد فاجأ مسؤولي كردستان العراق، إذ انضمت إليه فرنسا وبريطانيا، علاوة على الولايات المتحدة نفسها. مما لا يترك مجالاً للمناورة الدبلوماسية بعد أن وضعت أعلى هيئة في المنظمة الدولية سداً أمام المطامح القومية الكردية، ونزعت مسبقاً الشرعية عن الكيان المرتقب.
ومن المفارقات أنه رغم هذه الأجواء غير المواتية، بل السلبية إزاء مشروع الاستقلال أو الانفصال، فإن الاحتفالات الوطنية عمت أربيل والسليمانية وارتفع في أجواء المدينتين العلم الكردي، وقبل أن يتم الاستفتاء وتعلن نتيجته المتوقعة. فيما بدأ أكراد الخارج بالاقتراع مع ليلة الجمعة - السبت. ومن أكثر المظاهر بعثاً على الخلاف هو الاستعداد لإجراء الاستفتاء في محافظة كركوك رغم رفض المكون العربي والتركماني لهذه الخطوة. وذلك في رسالة غير مطمئنة للمكونات العراقية.
ورغم الاندفاع الكردي لإجراء الاستفتاء الاثنين 25 الجاري، فإن ترقباً مشوباً بالحذر الشديد يسود أوساطاً عراقية وخاصة في شمالي البلاد، بعدما هددت الحكومة المركزية في بغداد باتخاذ 20 إجراء ضد هذه الخطوة وبالذات في كركوك الغنية بالنفط.
من المثير للانتباه أنه في الوقت الذي اكتملت فيه الاستعدادات لإجراء الاستفتاء في كردستان العراق، فقد اتجه أكراد سوريا يوم الجمعة الماضية لاختيار ممثليهم ضمن النظام الفيدرالي الذي أعلنته الإدارة الذاتية المشكلة من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. ومن المقرر أن تكون الخطوة التالية هي إجراء انتخابات تشريعية في يناير/كانون الثاني 2018 لانتخاب مجلس تشريعي لغرب كردستان. وهي خطوة تتم بالتوازي مع الاستفتاء في كردستان العراق، رغم خلافات سياسية بين الفريقين الكرديين النافذين هنا وهناك، ورغم معارضة أطراف محلية وإقليمية لهذه الخطوة في شمالي سوريا حيث ترفضها روسيا وتركيا وإيران، إضافة إلى النظام، والى طيف واسع من المعارضة السورية.
وفيما تتصرف قيادة إقليم كردستان على أساس أنه قد آن أوان قطف ثمرة الأمر الواقع القائم، وتحويله إلى كيان سيادي، فإن سائر المؤشرات حتى الآن تدل على أن الاستفتاء ينطوي على مجازفة سياسية مفعمة بالمحاذير والمخاطر. ولئن كان من السهل حصول موافقة الأكراد على الانفصال أو الاستقلال، فإن التحدي الأكبر يكمن في اليوم التالي لإعلان الاستفتاء حيث ترى سائر القوى والدول من حول كردستان أن هذا المشروع يهدد أمنها، وبصرف النظر عما إذا كان في ذلك مبالغة أم لا، فالمهم أن المشروع يلقى رفضاً حازماً وبما يجعل النتائج السابقة التي تحققت (لا اللاحقة فحسب) عُرضة للتبديد بفعل الضغوط المتوقعة من هنا وهناك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"