الإرهاب وتباين تأثيره الاقتصادي

03:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

تبيّن الدراسات الاقتصادية أن الاقتصادات الغنية، والكبيرة، والمتنوعة، أكثر تحملاً لآثار الأعمال الإرهابية من الاقتصادات الصغيرة. وبرهانها في ذلك أنه إذا أدى الإرهاب إلى تعطيل أنشطة إنتاجية في قطاع واحد من اقتصاد متنوع، يمكن أن تتدفق الموارد بسهولة إلى قطاع آخر لم يتضرر، علاوة على أن الاقتصادات الغنية والكبيرة والمتنوعة تمتلك قدراً أكبر وأفضل من الموارد التي تخصصها لمكافحة الإرهاب، ما يؤدي في الأغلب إلى خفض عدد الأنشطة الإرهابية التي يتعيّن التعامل معها.
وفي المقابل تبين تلك الدراسات أنه قد لا تكون لدى الاقتصادات الصغيرة المتخصصة في بضعة قطاعات، تلك الصلابة. فالموارد كالأيدي العاملة، أو رأس المال، يمكن أن تتدفق من قطاع متضرر إلى أنشطة أقل إنتاجية داخل البلد، أو تنتقل إلى بلد آخر بصورة كاملة، كما تفتقر الاقتصادات الصغيرة، على الأرجح، إلى الموارد المتخصصة مثل معدات المراقبة، أو قوة شرطة، أو جيش متقدم تكنولوجياً، يمكن استخدامها في مكافحة الإرهاب، ويسمح ذلك باستمرار خطر الإرهاب ما يؤدي إلى مزيد من نزف الاقتصاد.
وعلى سبيل المثال، أدت هجمات 11 سبتمبر 2001 إلى خسائر تقدّر بنحو 80 مليار دولار أمريكي، إلا أن تلك الخسائر على ضخامتها لم تكن سوى جزء ضئيل، فهي ليست سوى أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي الذي كان يبلغ نحو 10,6 تريليون دولار أمريكي في عام 2001. وتخلص إحدى الدراسات إلى أن آثار الهجمات الإرهابية العابرة للحدود كانت طفيفة إلى حد ما في المتوسط في 177 بلداً خلال الفترة من 1968 - 2000، فقد أدت إلى خفض نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي بمقدار 0.048 % سنوياً. إلا أن الآثار تكون أشد في البلدان الأصغر، مثل كولومبيا، وفي مناطق مثل إقليم الباسك في إسبانيا، حيث كلّف الإرهاب إقليم الباسك أكثر من 10% من نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الفترة من منتصف السبعينات إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي.
علاوة على ذلك، يؤثر الإرهاب في الاقتصادات بصور مختلفة وفق مستوى التنمية فيها، وأظهرت إحدى دراسات البنك الدولي التي قامت بدراسة أثر الإرهاب اقتصادياً في 42 بلداً، منها 7 بلدان متقدمة، و 35 بلداً نامياً إلى أن الإرهاب لم يعق النمو بدرجة كبيرة في الاقتصادات المتقدمة، ولكن تبين أن كل حادث إرهابي عابر للحدود يخفض معدل نمو الاقتصاد النامي بنحو 4،1%. ونتائج هذه الدراسة تؤيد فكرة أن الاقتصادات الصغيرة والنامية تتأثر اقتصادياً بالإرهاب بدرجة أكبر من الاقتصادات الأغنى، والأكثر تنوعاً.
علاوة على أنه غالباً ما يؤدي النشاط الإرهابي في منطقة معينة إلى خفض العائد المتوقع على رأس المال المستثمر فيها، ما يؤدي إلى تحويل الاستثمار إلى أماكن أخرى، ويترتب على هذا خفض مخزون رأس المال. وعلى سبيل المثال تذكر إحدى الدراسات أن الحوادث الإرهابية التي وقعت في الفترة من منتصف السبعينات وحتى عام 1991 أدت إلى خفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في إسبانيا بمقدار 13، 5% وفي اليونان بمقدار 11، 9%. وهي نتائج متوقعة، حيث يمكن أن تتزايد الخسائر الأولية للموارد الإنتاجية نتيجة الإرهاب أضعافاً كثيرة، لأن المستثمرين الأجانب المحتملين يقومون بنقل استثماراتهم إلى وجهات أخرى يفترض أنها أكثر أماناً.
ووفق دراسة لصندوق النقد الدولي، فقد تلقت معظم البلدان التي شهدت حوادث إرهابية محلية، أو عابرة للحدود بمعدلات تفوق المتوسط خلال الفترة من 1970 - 2011 قدراً أقل من الاستثمار الأجنبي المباشر، أو المعونة الأجنبية، وكلاهما ضروري للبلدان النامية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"