وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح

04:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

لقد سقطتُ في انتخابات رئاسة اليونسكو بسبب هجمة الصهيونية العالمية على ترشيحي، وسكتت شهرزاد حسني عن الكلام المباح. إذ من أين انطلقت تلك الهجمة، ومن قادها، ومن أوقد شرارتها الأولى، ومن ظل يؤجج نارها حتى أكلت الأخضر واليابس في دهاليز اليونسكو، وفي أروقة وزارات الخارجية للدول الغربية الكبرى، فإنها ظلت أسئلة مؤجلة إلى الليلة القادمة، وأغلب الظن، وعلى عكس أسطورة شهريار وشهرزاد، فإن تلك الليلة لن تأتي وسنرى في الأيام القادمة عبثية مسرحية الكاتب الإيرلندي بيكيت عن الذي يأتي ولا يأتي.

لكننا سنأخذ دور شهرزاد الذكية من بين أيدي الوزير الضحية فاروق حسني ونكمل القصة المهزلة. فالهجمة انطلقت من تل أبيب في فلسطين المحتلة، والجهة التي قادت تلك الحملة الحقيرة الضارية ضد المرشح العربي المثقف كانت الحكومة الصهيونية اليمينية النازية الحالية، واليد التي ظلت تؤجج النار إلى آخر لحظة كانت وزارة خارجية العدو بقيادة رجل عنصري يقطر الدم من أسنانه وأظافره وبمساعدة هائلة من قبل اللوبيّات الصهيونية في أمريكا وعواصم الغرب الكبرى وبمساندة إعلام غربي منحاز ضد دين وثقافة المرشح العربي وأمنه.

وإذا كانت القصة واضحة بهذا الشكل فإنه من حقنا أن نطلب من فاروق حسني أن يسأل عما ستفعل بلاده، قلب هذه الأمة ورمز كبريائها القومي، تجاه ما حصل في قاعة مجلس اليونسكو التنفيذي مثلاً، هل ستفتح ملف أنبوب الغاز المصري الذي يوفر الطاقة للماكنة الاقتصادية والعسكرية الصهيونية بثمن بخس قل نظيره، فترفع الثمن أو تقطع المصدر أو تستعمل حقوقها السيادية؟

مثلاً آخر، هل ستنضم سلطاتها إلى مجتمعها المدني الوطني في مقاطعته الثقافية للكيان الصهيوني على أقل تقدير، وذلك كرمز متواضع للغضب والاستنكار؟ هل سترخي قبضتها الأمنية بالنسبة لعبور الأشياء والبشر من وإلى غزة فوق الأرض ومن تحتها؟ هل سيتوقف مسؤولوها عن الاستقبال المتكرر الحار الإعلامي لجلادي ومجرمي الكيان الصهيوني ويظهروا لشعبهم ولأمتهم أن عزة مصر وكبرياءها واحترامها لذاتها وطموحاتها المشروعة هي فوق كل الاتفاقيات والمعاهدات وضغوط الدول المتصهينة؟

كل سؤال سيحتاج إلى ليلة، ولدينا ألف سؤال وسؤال. ذلك أن هذه القصة الأسطورة للعلاقات الرسمية العربية مع فاجعة الوجود الصهيوني في فلسطين يجب أن تتجه إلى إنقاذ كرامة وشرف العرب مثلما فعلت أسطورة من قبلها وأنقذت حياة وشرف شهرزاد.

لقد قال أحدهم منذ القدم: عندما يُفقد الإيمان، وعندما يموت الشرف، فإن الإنسان يموت. وعندما أراد شكسبير أن يصف صراع الامبراطور يوليوس قيصر مع نفسه جعله يقول: إن الشرف هو موضوع قصتي، إنني لا أعرف يا أصحابي كيف تنظرون إلى هذه الحياة، لكن بالنسبة لي فإني أفضل أن أموت على أن أعيش بلا شرف. وكذلك الشعوب والأمم، فإنها عندما تفقد الثأر لكرامتها تفقد شرفها. ولا يمكن ليوليوس قيصر أن يكون أكثر حساسية بقيمة الشرف وتعلقاً به من قلب العروبة، من أرض الكنانة التي لا نرضى لها ان تحني الرأس لعنصرية الصهيونية.

إن معركة انتخابات اليونسكو كانت رمزية إلى أعمق أعماق الصراع العربي الصهيوني. لقد أكدت ان الصهيونية ليست في وارد المجاملات الدبلوماسية ولا في وارد الحلول الوسط ولا قبول ندم أو استغفار من تجرأ ووقف مرة متحدياً لعنجهيتها. إن خطوطها الحمر واضحة: عدم قبول ارتفاع أي رأس عربي في أي مكان إلا برضاها ومباركتها.

وإذا فشلت نتائج هذه المعركة القبيحة في إيقاظ العقول العربية المخدرة والتي حلمت بإمكانية التعايش العربي مع الوجود الصهيوني في الأرض العربية، وإذا رجعنا إلى إعطاء الخد الأيسر لمن صفعنا على الخد الأيمن، فإننا سنرتكب حماقة العمر ونكون قد وقعنا في نوبة تنويم مغناطيسي صهيوني جديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"