فشل استراتيجية "أفباك" الأمريكية

05:37 صباحا
قراءة 4 دقائق

تعتبر باكستان، من الناحية الرسمية على الأقل، دولة حليفة للولايات المتحدة، رغم أن استخباراته العسكرية تدعم حركة طالبان، المعادية للأميركيين، بالمال والسلاح والمعلومات وحتى بالخطط العسكرية . وقد اضطرت واشنطن لإغماض عينيها عن هذه اللعبة الباكستانية المزدوجة التي كانت من أهم أسباب التخبط الأطلسي في أفغانستان، إذ لا تستطيع واشنطن الوصول في علاقاتها مع إسلام أباد إلى القطيعة أو العقوبات القاسية لأسباب عديدة منها أن تسعين في المئة من خطوط اللوجستيك والإمدادات الأمريكية إلى أفغانستان تمر في الأراضي الباكستانية، ومنها المصلحة في المحافظة على النظام السياسي القائم في باكستان درءاً لخطر وصول إسلاميين متشددين إلى الحكم أو لانفجار تمرد إسلامي واسع في هذا البلد النووي المضطرب .

وفي سعيها إلى إيجاد حل وسط ما بين سكوت إدارة بوش واستحالة القطيعة مع باكستان، وفي بحثها عن الجذور العميقة للعبة الباكستانية المزدوجة، توصلت إدارة أوباما إلى الخلاصة بأن ثمة تناقضاً جوهرياً ما بين المصلحتين الأمريكية والباكستانية في أفغانستان . فالولايات المتحدة تسعى للمحافظة على شرعية واستقرار حكم قرضاي في حين أن باكستان المهووسة بنزاعها مع الهند لا تستطيع دعم الإدارة الأفغانية المتحالفة مع الهند . وهكذا في قلب المسألة الأفغانية تقع مسألة المخاوف الباكستانية من الخطر الهندي . وإذا كان أوباما محقاً في أنه من غير الممكن معالجة الملف الأفغاني من دون الاهتمام بباكستان، فإنه اكتشف أيضاً بأن الاهتمام بباكستان يمر بطمأنتها من الخطر الهندي الذي تخشاه . من هنا قراره، بعيد وصوله إلى البيت الأبيض، توسيع مبدأ أفباك ليشمل الهند .

وكان المرشح الديمقراطي أوباما في العام 2008 قد وعد بتطبيق استراتيجية أفباك بعد أن كتب في الفورين أفيرز، عدد يوليو/أغسطس 2007 بأنه إذا أضحت باكستان قادرة على التطلع بثقة إلى الشرق فسوف تتوقف عندها عن التفكير بأن الدفاع عن مصالحها يمر بالتعاون مع طالبان . وهكذا تبلورت القناعة بأن تسوية النزاع الهندي-الباكستاني أمر ضروري لتعاون باكستان الكامل مع واشنطن في أفغانستان، الأمر الذي لا مناص منه للانتصار الأمريكي في هذا البلد الصعب .

بالنسبة لأوباما كان يجب حل مشكلة كشمير باعتبارها السبب الرئيس للصراع بين البلدين المتجاورين . ففي إحدى مقابلاته الصحافية في أكتوبر/تشرين الأول 2008 قال بوضوح إن حل مشكلة كشمير هو أحد الشروط الضرورية لتعاون باكستان معنا . ثم كشف عن نيته، اذا انتخب رئيساً، تعيين مبعوث خاص للهند وافغانستان وباكستان مهمته الرئيسة فتح مفاوضات حول كشمير، وقد فعل عندما سمى ريتشارد هولبروك أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين لهذه المهمة .

لكن نيودلهي رفضت بحزم أي تدخل دولي في النزاع الكشميري، وذكّرت أنه بموجب اتفاقات سيملا، العام ،1972 لا يمكن للمفاوضات حول كشمير إلا أن تكون ثنائية الطابع، لذلك فإن مشروع أوباما الذي يحمله مبعوث دولي الطابع أمر غير مقبول بالنسبة للحكومة الهندية التي رفضت المشاركة في مؤتمر رباعي (الهند وباكستان والولايات المتحدة وأفغانستان) في فبراير/شباط ،2009 وحثّت اللوبي الهندي في واشنطن على ممارسة الضغوط على البيت الأبيض ووزارة الخارجية . وقد أثمرت هذه الضغوط إذ أعلنت واشنطن أن مهمة هولبروك تقتصر على باكستان وأفغانستان ولا شأن له بمسألة كشمير . وبذلك تكون استراتيجية أوباما قد تلقت ضربة قاصمة .

ويقول محللون إنه أبعد من مشكلة كشمير فان مخاوف باكستان من الهند وجودية إذ إنه النخب، المدنية والعسكرية، تبقى على قناعة بأن نيودلهي لم تقبل أبداً بالتقسيم وسوف تسعى على الدوام لتدمير الدولة الباكستانية .

لقد اقتنعت إدارة أوباما بأنه ينبغي طمأنة الباكستانيين للحصول على تعاونهم، لذلك وافقت على أطروحاتهم حول الخطر الهندي . وصرح الجنرال ماك كريستال قائد التحالف الدولي في أفغانستان، في أغسطس/آب ،2009 بأن النفوذ الهندي في أفغانستان يسهم في الاضطرابات الإقليمية ويشجع الباكستانيين على اتخاذ مواقف معينة . ثم بدأ الأمريكيون باتخاذ إجراءات لإضعاف النفوذ الهندي في أفغانستان مثل رفضهم المشاركة، ولو الرمزية، للهند في بناء الجيش الوطني الأفغاني .

لكن أصواتاً نافذة راحت ترتفع في واشنطن لتذكّر بالأهمية الاستراتيجية والاقتصادية القصوى لبلد واعد مثل الهند، الديمقراطية الأكبر في العالم، الذي يشكل موازناً للصعود الصيني، وبذلك فمن غير الحكمة إضعاف العلاقة معه كرمى لعيون دولة فقيرة ضعيفة غير مستقرة مثل باكستان . وقد حُسم النقاش لمصلحة هذه الرؤية التي تبنتها إدارة أوباما التي راحت تكرر إشارات التقارب مع نيودلهي . فخلال زيارته لهذه الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 02010 أعلن أوباما دعمه لمساعي الهند الهادفة للاستحواذ على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي أغضب إسلام أباد، وبعدها بعام واحد وقّعت كابول اتفاق شراكة استراتيجية مع نيودلهي التي انخرطت في مشروع بناء الجيش الأفغاني الوطني .

وهكذا تخلت واشنطن عن محاولاتها منع باكستان من دعم طالبان، ولكن من دون أن تتخلى عن تحالفها معها، ما يعني أنها عادت إلى سياسة إغماض العين حيال اللعبة الباكستانية المزدوجة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"