انتخابات تنقصها الجاذبية

01:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
تبدو الانتخابات الرئاسية الإيرانية وقبل أقل من شهر على موعد إجرائها قليلة الجاذبية، وحيث لا تحظى بالتعليق عليها والانشغال بها من طرف أغلبية الدوائر السياسية في العالم. وثمة أسباب وراء ضعف الجاذبية هذه، بعضها يتعلّق بطبيعة النظام السياسي القائم، وتوزيع السلطات والاختصاصات فيه، وبعض هذه الأسباب مُستجد ويتعلّق بهذه الانتخابات تحديداً.
من العوامل الأصلية أو البنيوية، أن مركز رئاسة الجمهورية في إيران يحظى بصلاحيات محدودة، ذات طابع إداري وتنفيذي، فيما تتركز الأمور المتعلّقة بتقرير السياسات العامة الداخلية والخارجية منها وخاصة الأخيرة في يد المرشد الذي يقرر وجهة السياسة العامة للبلاد، فيما يتولى رئيس الجمهورية تطبيق هذه السياسة. وتمتد سلطة المرشد لتشمل الجيش والحرس الثوري والقضاء والإعلام وشؤون أخرى، من بينها كونه المرجع لهيئة تشخيص مصلحة النظام. وهي بمثابة مؤسسة للرقابة العليا على إدارات الدولة وعلى سير أدائها. وبينما يتواصل رئيس الجمهورية مع زعماء العالم في الخارج، فإن المرجع المرشد هو من يستقبل قادة العالم الذين يفدون إلى طهران، باعتباره من الناحية الرمزية والفعلية الرئيس الأعلى للبلاد، وهو نظام تتميز به الجمهورية الإسلامية عن بقية دول العالم، ولا يجد له نظيراً في أي دولة أخرى.

من العوامل الأخرى التي تحد من الطابع التنافسي للانتخابات هو الغربلة أو الفلترة التي تتم في التعامل مع طلبات الترشيح، وهذا العامل يزداد تأثيراً وسطوة من انتخابات إلى أخرى. ويتولى مجلس صيانة الدستور هذه المهمة. وقد وصف مؤخراً رئيس حزب «اتحاد الشعب» علي شكوري، وهو شخصية سياسية مقربة من الرئيس روحاني تقييم المرشحين بأنه يتم بطريقة «غير واضحة وغير قانونية». ومن بين عشرات المرشحين تم قبول ترشيح ستة مرشحين فقط. وبهذا فإن مجلس صيانة الدستور يعتبر الناخب الأول في البلاد! فهو «ينتخب» مسبقاً عدداً ضئيلاً من المترشحين ثم يحيل أسماءهم إلى الاقتراع العام.

بما يتعلق بالدورة الحالية الثانية عشرة من دورات انتخابات الرئاسة، فقد لوحظ استبعاد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لأسباب ظلت مكتومة، ولا يعقل أن يكون أحدٌ مؤهلاً للترشيح قبل بضع سنوات، ثم يصبح غير مؤهل لاحقاً. وكان نجاد أثار زوبعة كبيرة حين صرّح مؤخراً بأن جهات إيرانية نافذة أضافت 8 ملايين ورقة انتخابية لصالحه في العام 2009، وهو اعتراف غير مسبوق يمسّ نزاهة الانتخابات، ولا يبرئ صاحبه الذي سبق أن ارتضى بما جرى. ومن الواضح أن هذا التصريح هو الذي أطاح حظوظه في الترشح.

العامل الآخر المستجد هو القرار الصادر بمنع المناظرات التلفزيونية بين المترشحين. وقد قيل في الانتخابات السابقة إن الأداء السجالي الجيد للرئيس الحالي حسن روحاني كان وراء فوزه «المفاجئ» حينها. وواقع الأمر أن حظر المناظرات يشي بجو عام من التقييد والرقابة على أداء المترشحين وعلى تواصلهم مع الرأي العام. وإذا أخذ المرء بعين الاعتبار التقييدات العامة التقليدية التي تصف أي انتقادات بأنها «تشويه غير مقبول لصورة البلاد»، فإنه يتضح أن الانتخابات تجري في إطار تنافسي ضيق، وعِوض أن يتعرّض المترشح للمتابعة ولمراقبة أدائه من طرف الرأي العام، فإن السلطات تتولى هذه المهمة منفردة وعلى طريقتها.
إلى ما تقدم، فقد اشتعلت في الأسابيع الأخيرة معركة اتهامات متبادلة بالفساد، شملت مسؤولين كباراً، مثل الاتهامات التي تبادلها الرئيس روحاني، ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني. فيما قال نائب وزير التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية فيروز آبادي، إن «رقعة الفساد تكبر في إيران، لأن الفاسدين لديهم قوة في السلطة». ولم تبذل السلطات جهداً كافياً من أجل التدقيق في الاتهامات، أو تفعيل القانون وترك الأمر لمساجلات علنية تشتمل على اتهامات جسيمة، ولا شك أن ذلك ينعكس سلباً على أجواء الانتخابات، وعلى ثقة الناخب بجدوى العملية الانتخابية.
في ظل هذه الأجواء التي لا تخلو من توترات، فإن الحدث الانتخابي الذي يفترض أنه ينطوي على أهمية كبيرة، يكتنفه الإدراك بأن لا سبيل مُتاحاً للتغيير أو التجديد. ومن المثير للانتباه ما قامت به السلطات مؤخراً وقبل عقد الانتخابات، من إطلاق تحذيرات من وقوع اضطرابات عقب إجراء الانتخابات! وذلك في تذكير بالأجواء العامة التي سادت بعد فوز نجاد في العام 2009.. بما يحمله ذلك من دلالات على أن أموراً غير عادية عُرضة لأن تجري خلال الانتخابات، وقد تثير ردود فعل واضطرابات، وهذا هو التفسير الموضوعي للتحذيرات المسبقة التي تتعلّق بحدث لم يقع بعد..

محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"