المجهول في النزاع الأمريكي - الصيني

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

خلافات الدول مثل مشاجرات الأفراد، الأعلى صوتاً يستأثر باهتمام المشاهدين، وقد يستحوذ على تعاطفهم، لأن صوت الطرف الآخر لا يصل إليهم. وفي معركة الرسوم الجمركية المشتعلة حالياً بين الولايات المتحدة والصين، فإن الطرف الأمريكي هو الأعلى صوتاً بحكم الهيمنة الإعلامية والنفوذ السياسي والثقل الدولي.
يعرف العالم طبيعة الشكوى الأمريكية، وهي كما تصل إليه تبدو عادلة: الصين لا تلتزم بقواعد التجارة وتغرق الأسواق الأمريكية بسلعها الرخيصة، وتحقق نتيجة لذلك فائضاً تجارياً هائلاً وصل في 2017 إلى 375 مليار دولار، أي أن بكين تربح وواشنطن تخسر، ومن حقها فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية.
هذه باختصار القصة كما يعرفها العالم، إلا أنها تظل غير مكتملة، لأن العديد من فصولها لا يطّلع عليه الجمهور، ولذلك يبقى جانب مهم من الحقائق خافياً.
أولى الحقائق المتوارية ترصدها مجلة الإيكونوميست البريطانية الرصينة، وتقول، إن الإجراءات الحمائية التي تفرضها واشنطن لا ترجع إلى خلافات تجارية فقط، بل تحرّكها توجهات سياسية ترى في الصين منافساً استراتيجياً ينبغي إضعافه والإضرار به، وهو موقف الرئيس دونالد ترامب.
يعتقد ترامب أن الفائض التجاري هو نزوح للثروة من بلاده إلى الصين، وهو مخطئ تماماً، وتلك حقيقة ثانية متوارية، كما تقول المجلة. ذلك أنه يريد إعادة المصانع الأمريكية المهاجرة، ولكن حتى لو تم ذلك، فلن تزيد فرص العمل إلا بمقدار ضئيل بسبب التوسع في الميكنة. كما أن تكلفة الإنتاج ستكون أعلى، وسيتضرر المستهلك الأمريكي.
أما الادعاء بأن الصين تتّبع قواعد غير عادلة للتجارة من خلال الدعم الحكومي لصناعاتها، فهي مغالطة ثالثة، لأنه حتى بدون دعم ستظل مثل غيرها من الأسواق البازغة، تتمتع بمزايا تنافسية بسبب تكلفة الإنتاج المنخفضة.
حقيقة رابعة متوارية ترصدها هذه المرّة مجلة إطلانتيك الأمريكية التي تؤكد أن ترامب يرى قصة العجز التجاري بصورة مقلوبة أو عكسية باعتبار أمريكا الضحية، في حين أن المشكلة تبقى صينية بالدرجة الأولى. ترجع المجلة بالذاكرة إلى عام 1890 وقتها كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى تشبه إلى حد كبير طبيعة العلاقات الحالية بين أمريكا والصين. بريطانيا كانت الأغنى، ولكن الاقتصاد الأمريكي كان ينمو أسرع من مثيله البريطاني، وبنسب تفوق نمو الاقتصاد الصيني مقارنة بالأمريكي حالياً.
في ذلك الوقت كان تدفق الاستثمارات البريطانية على أمريكا يتم على نطاق ضخم، بينما التدفقات الاستثمارية الأمريكية للصين متواضعة. ترى المجلة أن على أمريكا أن تفعل ما فعلته بريطانيا من قبل، وهو أن تزيد استثماراتها في الصين بدلاً من زيادة الرسوم الجمركية، وهذا هو الأصوب لإدارة النزاع التجاري. كما ترى أن الفائض التجاري هو في الواقع مشكلة صينية، لأنه يعكس فشل بكين في جذب استثمارات أجنبية.
حقيقة أخيرة مجهولة للجميع، وهي كما ترصدها وكالة بلومبرج الأمريكية، أن العجز التجاري الضخم يبدو في الواقع أكبر من حجمه الحقيقي ولا يستحق كل هذا القلق. توضح المجلة أنه لم تعد هناك سلعة تنتج بالكامل في بلد واحد. وعلى سبيل المثال فإن الهاتف النقال المكتوب عليه «صنع في الصين» يحتوي على مكونات تايوانية ويابانية وكورية جنوبية وغيرها. ومثل هذه المكونات تمثّل صادرات غير مباشرة من تلك الدول إلى أمريكا. غير أن هذه الأخيرة لا تأخذ ذلك في اعتبارها عند حساب حجم تجارتها مع هذه الدول، وتضيف الفاتورة إلى حسابها مع بكين فقط.
وفي محاولة لمعالجة هذا الخلل طوّرت جامعة جروننجين مقياساً جديداً لحساب القيمة الحقيقية للمبادلات، آخذاً في الاعتبار مسألة بلد المنشأ لمكونات المنتج. بناء عليه خرجت أرقام مدهشة تقول مثلاً إنه في عام 2004 كان الحجم الحقيقي للعجز الأمريكي مع الصين 200 مليار دولار وليس 315 ملياراً، كما تقول الأرقام الرسمية المستمدة من الطريقة الحالية للحساب. وبلغت قيمة الواردات الأمريكية من الصين 320 مليار دولار وليس 483 ملياراً.
هذه بعض حقائق النزاع التي يطمسها الصوت الأمريكي العالي. وبالقصة فصول أخرى لا تقل إثارة سنعود إليها لاحقاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"