أسباب صفقة الصواريخ الروسية

05:01 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

لم تكد تمضي أيام قليلة على الاتفاق الإطاري الذي وقعته الدول الكبرى مع إيران حول برنامجها النووي حتى أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دهشة وغضب شركائه في المفاوضات بإعلانه عن صفقة الصواريخ "اس 300" مع إيران . التوقيت الذي اختاره بوتين للإعلان عن إتمام الصفقة كان هو العنصر المهم والمحير، وطرح تساؤلات وفجّر مخاوف من أن يكون له تأثير مدمر في المفاوضات مع طهران للتوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 30 يونيو/حزيران المقبل .
ما ضاعف من الحيرة أنه كان بوسع بوتين أن ينتظر الأسابيع القليلة المقبلة وحتى موعد التوصل إلى الاتفاق ثم يعلن إتمام صفقة الصواريخ التي كانت الدولتان قد اتفقتا عليها في 2007 وسددت طهران قيمتها قبل أن يوقف الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف إتمامها عام 2010 وقيل وقتها إن روسيا أرادت أن تقدم بادرة حسن نية وتعاون إلى واشنطن والدول الغربية بالضغط على إيران .
استعجال بوتين بدا بالفعل غريباً وغير مفهوم خاصة على ضوء التصريح الذي كان قد أدلى به أحد أقرب المسؤولين إليه وهو نيكولاي باتروشيف رئيس وكالة الأمن الفيدرالي، والذي أكد أن تصنيع الصواريخ لن يكتمل قبل ستة أشهر، أي بنهاية العام تقريباً . بمعنى أن الصفقة لن تتم إلا بعد أشهر عدة من موعد التوصل إلى الاتفاق النهائي مع إيران . إذاً لماذا لم ينتظر بوتين هذه الأسابيع القليلة حتى إبرام الاتفاق النووي ثم يعلن عن صفقة صواريخه من دون أن يخاطر بإغضاب الغرب كما حدث؟
في تفسير ذلك يقدم الكاتب الأمريكي بول ساندري ثلاثة أسباب محتملة عرضها في مقال نشرته صحيفة "المونيتور" الإلكترونية قبل أيام .
السبب الأول المحتمل هو أن الكرملين أعلن عن صفقة الصواريخ من دون تشاور مع الخارجية الروسية، ومن دون دراسة متأنية للتأثيرات المحتملة للقرار في المفاوضات النووية . وهذا التصرف يتسق مع الطبيعة الانفرادية التي يحكم ويتصرف بها بوتين .
السبب الثاني المحتمل هو أن بوتين تشاور مع الدوائر المعنية في الداخل وكان يعرف بالفعل أن الصفقة قد تقوض المفاوضات، وأن هذا كان هدفه . قد يبدو هذا التفسير غريباً وشاذاً لاسيما على ضوء مشاركة روسيا بنفسها في المفاوضات . إلا أن الحقيقة التي تغيب عن الجمهور خارج روسيا هي أن القوميين الروس لا يرون فائدة تذكر تعود على بلادهم من التوصل لاتفاق نووي مع إيران .
ويشير هؤلاء إلى تقديرات البنك المركزي الروسي التي يتوقع فيها أن تؤدي إعادة دخول إيران إلى أسواق النفط العالمية بقوة بعد رفع العقوبات الى خسائر روسية تقدر بحوالي 27 مليار دولار . يعزز من هذا الرأي أن وسائل الإعلام الروسية لم تحتف بالاتفاق الإطاري ولم تعتبره انتصاراً .
السبب الثالث المحتمل هو أن روسيا قررت المضي قدماً في قرارها بعد أن درست بعناية ردود الفعل المحتملة من جانب واشنطن و"إسرائيل" والدول الغربية، وخلصت إلى أن ردود هذه البلدان ستكون محدودة على أساس أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين شغوفون للغاية بالتوصل إلى اتفاق مع إيران بأي ثمن . وأنهم سيبتلعون القرار الروسي المزعج ولن يقدموا على نسف المفاوضات بسببه .
يضيف إلى ذلك المحلل الروسي البارز ديميتري ترينيين أن روسيا ربما اعتبرت أيضاً أن الإعلان عن صفقة الصواريخ الآن سيكون له تأثير إيجابي في المفاوضات، حيث يشكل ضغطاً على الغرب لكي لا يتشدد أكثر من اللازم، بعد أن يدرك أن روسيا لن تشارك في عقوبات جديدة على طهران إذا فشلت المفاوضات .
يضاف إلى هذا أن روسيا تريد أن توجه رسالة إلى واشنطن بأنها قادرة على اتخاذ خطوات وإجراءات مزعجة رداً على العقوبات التي يفرضها الغرب عليها بسبب الأزمة الأوكرانية .
وبجانب التفسيرات السابقة لأسباب إعلان صفقة الصواريخ في هذا التوقيت تريد موسكو بلا شك أن توجه رسائل أخرى لثلاثة أطراف أساسية: الأول هو إيران نفسها التي يريد بوتين أن يقدم إليها نوعاً من الترضية بعد امتناع بلاده عن التصويت على قرار مجلس الأمن بفرض حظر على توريد السلاح إلى الحوثيين في اليمن . وكانت إيران تأمل أن يستخدم "الفيتو" لمنع إصدار القرار . وتحتاج روسيا لاسترضاء إيران لسبب أهم هو أنها تطمع في فوز شركاتها بحصة أكبر من كعكعة الاستثمارات الضخمة في إيران بعد رفع العقوبات، وعلى ضوء المنافسة الشرسة المتوقعة بين الشركات العالمية .
الطرف الثاني المستهدف هم القوميون الروس الذين لا ينظرون بعين الرضا إلى المفاوضات النووية مع إيران، ويأمل بوتين أن يبلغهم أنه سيظل مدافعاً قوياً عن المصالح القومية الروسية، ولن يتخلى عن بيع الأسلحة إلى إيران أو غيرها مقابل الاتفاق النووي . ولا بأس أن يعيد ترسيخ صورته باعتباره الزعيم القادر على تحدي الغرب .
أخيراً الطرف الثالث المستهدف هم المشترون للسلاح الروسي الذين أقلقهم من قبل تجميد صفقة الصواريخ مع إيران عام 2010 . واستئناف الصفقة الآن يمثل نوعاً من التطمين لهم حتى لا يترددوا في الشراء . ولا يستبعد في هذا الصدد أن يكون أحد أهداف بوتين هو تنشيط صادرات السلاح الروسي لتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع عائدات الصادرات البترولية .
الرسالة الأخيرة التي يرسلها بوتين للجميع كما يقول الصحفي الأمريكي هي أنه رجل يستمتع بالمفاجآت .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"