إدلب والممرات «الإنسانية»!

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في أحد تصريحاته الأخيرة، تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لا فروف عمّا سمّاه ب«تحضيرات لممرات إنسانية للمدنيين في إدلب». وحديث المسؤول الروسي يختلف في مضمونه عن بقية ردود الفعل الدولية، بما فيها موقف الأمم المتحدة، التي تتحدث عن كارثة إنسانية، وعن التهديد الداهم لمليون طفل سوري في محافظة إدلب.
وخلال العامين الماضيين فقد دأبت القوات الروسية على تجميع مقاتلي المعارضة والجماعات الإرهابية في هذه المحافظة، التي تقع شمال غربي سوريا. وقد حدث ذلك مع هؤلاء في حلب، ثم في الغوطة الشرقية، وكذلك في درعا؛ حيث كانوا بصحبة عائلاتهم، وبعضهم من الأجانب.
ويشكل وجود «هيئة تحرير الشام»؛ ( جبهة النصرة) معضلة للمدنيين كما للمعارضة المسلحة وكذلك لفرص التوصل إلى حل سياسي.. وللأسف فإن وجود هذا التنظيم كأمر واقع يؤدي إلى الحاق أضرار هائلة بالمدنيين والمرافق المدنية، وحين تدور المعارك كما تدل خبرة الحرب السورية، فإنها تستهدف المعارضة و«جبهة النصرة» سواء بسواء. وتنال المستشفيات والأسواق والأحياء السكنية «فرصتها» الكبيرة في التدمير الواسع النطاق.
والتساؤل الذي يثور هنا: لماذا جرى التفاوض مع «داعش» مرة تلو مرة، وسمح لها بالانسحاب وسلوك طرق آمنة، بينما ينتفي أسلوب التفاوض مع التنظيم الآخر؛ وذلك من أجل تجنيب المدنيين، ولو لمرة واحدة، ويلات الحرب؟. ولماذا لا تُعطى دبلوماسية التفاوض فرصة أوسع وأطول؛ لضمان خروج «النصرة»، أو القيام بحلها؟. لكن ما يصعب من هذا الأمر أن زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني أعلن أنه لن يفاوض وسوف يقاتل.
من حسن الطالع أن هناك قدراً من الاهتمام الدولي بالوضع في إدلب، وتحذيرات أممية من التصعيد. ومن المؤسف أن يؤدي هذا الوضع إلى ارتفاع مستوى التوتر الدولي، بدل أن يشكل فرصة للتوجه نحو حل سياسي، يسبقه وقف إطلاق نار شامل للتهيئة لتفاهمات إقليمية ودولية، تسمح لقاطرة الحل السياسي بالانطلاق ولو ببطء بدلاً من توليد الفظائع مرة تلو مرة وسد الطرق أمام الحلول، واعتماد الخيارات العسكرية وحدها دون سواها.
من المأمول رغم اشتداد قرع طبول الحرب، أن يؤدي التوتر القائم لقليل من التبصر وللتقريب بين الأطراف المعنية لإيجاد حلول موضعية، وهي فرصة لأن تثبت موسكو وأنقرة وطهران وواشنطن، الاستعداد لحلول سياسية فعلية ولو استغرق تنفيذها بضعة أسابيع أو حتى عدة أشهر. إذ إن نجاحاً في حل هذه المعضلة من شأنه فتح الآفاق لحل سياسي يشمل الوضع برمته، ويسمح بوضع الأزمة السورية على طريق الاختتام وفقاً للمرجعية الدولية والقرارات ذات العلاقة بالأزمة.
لقد جرى خلال الأسابيع القليلة تدشين الحديث عن إعادة إعمار البلاد، وهو أمل يراود كل السوريين، وكان لموسكو باع طويلة في هذه الأحاديث، غير أن الكارثة إن وقعت في إدلب، فهي تعني أن حلقة أخرى من مسلسل التدمير في طريقها إلى التنفيذ في محافظة واسعة تمتد على مسافة أكثر من ستة آلاف كم مربع وتضم نحو ثلاثين مدينة وبلدة ويقطنها حالياً ما يزيد على مليوني نسمة مع أخذ أعداد النازحين إليها في الاعتبار.. والآن يُبشر النازحون ب«ممرات» من أجل نزوح جديد..
وفي جميع الأحوال فإن المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية مدعوة لإعادة الاهتمام بالأزمة السورية، التي ما انفكت تقف سنة بعد سنة أمام حالة انسداد واستعصاء، فالتدمير الهائل والمتواصل لا يمكن أن يشكل مكسباً لأحد، وهذه الأضرار الهائلة التي يصعب حصرها قمينة بتوليد كوارث اجتماعية وإنسانية واقتصادية حتى بعد أن تتوقف الحرب، فما بالك مع تواصلها؟..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"