روسيا والسعودية و«أوبك بلس»

00:17 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

في المقال السابق («عقدة» روسيا في ائتلاف «أوبك بلس»)، أوضحنا أن مكمن الضعف الذي يعتور العلاقة بين روسيا كأكبر منتج للنفط بين مجموعة الدول العشر المنتجة للنفط وغير العضوة في «أوبك»(أذربيجان، والبحرين، وبروناي، وكازاخستان، وماليزيا، والمكسيك، وعمان، والسودان، وجنوب السودان، وروسيا)، وبين السعودية، كأكبر منتج للنفط بين مجموعة «أوبك» (13 دولة عضواً)، يتمثل في اختلاف وزن النفط في موازناتهما العامة، ما يعكس نفسه على استهدافات كل منهما المتعلقة بسعر البرميل المناسب، وترتيباً على سياستهما الإنتاجية النفطية. 

روسيا على سبيل المثال، كانت سعّرت خامها القياسي (خام الأورال الروسي Urals oil) في ميزانيتها لعام 2019، عند 48 دولاراً للبرميل، وخفضته في عام 2020 (بسبب عاصفة جائحة كورونا على صعيدها الاقتصادي) إلى 42.4 دولار؛ وكان أن حققت موازنتها للعام الماضي فائضاً قدره 13.6 مليار دولار؛ لتعود هذا العام وترفع سعرها المتوقع للبرميل قليلاً إلى 45.3 دولار، في ضوء التفاؤل المشوب بالحذر الذي يسود الاقتصاد العالمي مع بدء حملات التلقيح في العالم ضد الفيروس. لكن الموازنات التقديرية للسنوات الثلاث (2021-2023) التي وقع الرئيس بوتين قانونها، ونشرت يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تتضمن عجزاً يتراوح ما بين 37.5 مليار دولار في عام 2021، و17.03 مليار دولار في عام 2022، و19.2 مليار دولار في عام 2023؛ بسعر مقدر لبرميل خام الأورال عند 43.50 لعام 2021، و46.60 دولار لعام 2022، و47.50 دولار لعام 2023.

أما المملكة العربية السعودية، فقد بنت ميزانيتها التقديرية لعام 2021 الجاري، بحسب بعض الخبراء الماليين، على أساس سعر مفترض لبرميل النفط قدّره بعضهم ب48 دولاراً، فيما قدّره آخرون ب50 دولاراً. وهذا سقف متناسب مع حجم جانب النفقات الضخمة التي فاقت، رغم ذلك، الإيرادات ب37.58 مليار دولار.

هذا التسعير «المحتشم» لبرميل النفط، وضعه محللون ماليون مسؤولون عن إعداد مسودات الموازنات العامة في الدولتين، بالاستعانة بوكالات إصدار تقارير أسعار النفط، مثل «إس آند بي جلوبال بلاتس» البريطانية، وArgus البريطانية، ومؤشر أسعار البترول الآسيوي APPI (وهو مؤشر مستقل للزيوت الخام مختص أكثر بتحديد الأسعار القياسية في الشرق الأقصى)؛ وICIS London Oil Report، التي توفر بيانات ومعلومات تنبؤية لأسعار النفط والمنتجات البترولية والبتروكيماوية بانتظام؛ إضافة إلى التقديرات الخاصة للدول والشركات التي تستعين أو تستأنس بهذه البيانات والمعلومات في بناء مؤشراتها القياسية. والمقدّر أن هؤلاء المحللين الماليين، قد وضعوا في اعتبارهم – الى جانب وضع الاقتصاد العالمي في ظل جائحة كورونا - تحقيق هدفين أساسيين، هما: تقليص العجز في الموازنة، موازنة عام 2021 في هذه الحالة، إلى الحد الأدنى الممكن، ومقابلة متطلبات الإنفاق الجاري والاستثماري التنموي. ولذلك تغايرت تقديرات البلدين لسعر البرميل في موازنتيهما، ما يعكس نفسه تغايراً في المواقف بشأن السياسة الإنتاجية المشتركة في إطار ائتلاف «أوبك بلس».

وهناك عامل آخر في غاية الأهمية يساهم في تغاير السياسة الإنتاجية المناسبة للطرفين. والأمر يتعلق بنوعية وكلفة إنتاج أنواع النفط التي تنتجها وتصدّرها الدولتان. روسيا الاتحادية تنتج وتصدّر أنواعاً مختلفة من النفط، لجهة الصنف Grade، أي المتعلق بدرجة لزوجة النفط المسؤولة عن جعله خفيفاً أو ثقيلاً مقارنة بالماء. ويأتي في مقدمتها خام الأورال، وهو النفط المرجعي لتسعير صادرات النفط الروسي؛ وهو خليط من النفوط الثقيلة الممزوجة والمتكونة من الزيت الحامض الثقيل المستخرج من غرب سيبيريا ومنطقة الفولجا، والزيت الخفيف من غرب سيبيريا. وهو بالتالي من نوعيات النفوط الثقيلة (رغم تخفيفه بالمزج) ذات التسعير المنخفض. والنوع الثاني هو نفط «ايسبو» المستخرج من شرق سيبيريا والذي يتم تصديره إلى الصين. وهناك نوع ثالث هو خام «فالكون» الخفيف المستخرج من جرف جزيرة سخالين في المحيط الهادئ والذي يتم تصديره إلى آسيا عبر محطة التحميل في ميناء كوزمينو، ثالث أهم منفذ نفطي في روسيا. وبسبب هذا التنوع، ومواقع إنتاج وتصدير النفط الروسي، فضلاً عن تغاير طبيعة الحقول وآبارها وتقنيات الاستخراج المختلفة والصعوبات اللوجستية المرادفة لها، إضافة إلى النظام الضريبي المعقد الخاص بإنتاج النفط في روسيا، فإن من الصعب تحديد متوسط ​​كلفة استخراج النفط في روسيا بصورة دقيقة. لذلك تختلف التقديرات المحايدة عن التقديرات الحكومية الرسمية للكلفة الحقيقية لإنتاج برميل النفط في روسيا، بين 42 دولاراً لإنتاج النفط من الحقول البرية، و44 دولاراً لإنتاجه من الحقول البحرية؛ وهو ما زعمته شركة تزويد المعلومات الأمريكية البريطانية «آي إتش إس ماركيت»، في تقرير لها نشرته في إبريل/ نيسان من العام الماضي.. وما بين تقديرات الشركات النفطية الحكومية الروسية مثل شركة روسنفت وشركة تاتنيفت، التي تقدر كلفة إنتاج البرميل بما يتراوح بين 4 إلى 8 دولارات.

في المقابل، تنتج المملكة العربية السعودية، 5 أصناف من النفط الخام، هي العربي الثقيل، والعربي الوسيط، والعربي الخفيف، والعربي الخفيف جداً، والعربي بالغ الخفة. وهذا يمنح شركة الزيت العربية السعودية «أرامكو» مرونة في إجابة مختلف طلبات المشترين من المصافي ذات التصميمات المختلفة، ويمَكّنها من بناء توقعاتها وتقييماتها للمتطلبات المستقبلية للمصافي في أسواق تصريفها العالمية، ومن ثم تحسين مزيج إنتاج نفطها الخام لتلبية احتياجات عملائها.

وللمقارنة فقط، فإنه في حين بلغ سعر برميل برنت في 23 فبراير/ شباط، 65.24 دولار، لم يتجاوز سعر برميل الأورال 42.22 دولار. أي أن الفارق بينه وبين الخام العربي الوسيط كبير جداً؛ فضلاً عن الفارق بين سعر خام الأورال وسعر نفط القياس العالمي «برنت». من هنا نفهم التقدير المنخفض لسعر البرميل في الموازنة الروسية.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"