هاجس «إسرائيل» الديمغرافي

05:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

جدعون ساعار الوريث المحتمل لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في قيادة «الليكود»، يعارض بشدة قيام دولة فلسطينية، أما تبرير ساعار لموقفه هذا فقد لخصه بسببين اثنين، الأول هو فقدان «إسرائيل» للسيطرة الأمنية، والثاني فقدان السيطرة الديمغرافية، باعتبار أن إقامة الدولة الفلسطينية سيخلق مشكلة ديمغرافية بين النهر والبحر، لا يتحقق معها بقاء اليهود كأغلبية في هذه المنطقة.
تبرير «إسرائيلي» لرفض فكرة قيام الدولة الفلسطينية، يعكس في الواقع مفهوم الفلسفة «الإسرائيلية»، القائمة على إلغاء الآخر، بعنصرية دونها عنصرية النازيين، لكنها في الواقع ليست جديدة على العقل السياسي «الإسرائيلي»، الذي يعتمد بالأساس على أساطير وخرافات تاريخية، يحاول «الإسرائيليون» من خلالها تبرير ما يزعمون أنه حقهم التاريخي في فلسطين، بعد تهجير أهلها بالقوة بمؤازرة القوى الاستعمارية الغربية.
فمنذ عام 1948، وإقامة المشروع «الإسرائيلي» في فلسطين، بإعلان قيام «إسرائيل» على أنقاض الوطن والمجتمع الفلسطينِيَّيْن، أدرك المحتلون «الإسرائيليون»، أن أي إمكانية لاستمرار مشروعهم الاستعماري، وبقائه على قيد الحياة، غير واردة ما لم يتم إفراغ فلسطين من أهلها، وتهجيرهم بشتى السبل والوسائل.
ولذا فقد دشن الرعيل الأول من المحتلين «الإسرائيليين» مشروعهم الاحتلالي العنصري الاستيطاني، بسلسلة من المجازر المتعمدة، ضد أبناء الشعب الفلسطيني المسالم، سواء قبل إعلان قيام «إسرائيل» أو بعده.
ومع أنه يصعب عدّ الجرائم التي ارتكبتها القوات والعصابات «الإسرائيلية» بحق الفلسطينيين، إلا أن هناك مجازر كبيرة، شكلت علامات بارزة في التاريخ الفلسطيني، لا يمكن للذاكرة الجمعية الفلسطينية أن تنساها، باعتبارها شكلت المقدمة الفاشية لاحتلال فلسطين، وتشريد أهلها، ومن هذه المجازر، مجزرة دير ياسين التي شهدها غرب القدس يوم 9 إبريل/نيسان 1948، ونفذتها الجماعتان الإرهابيتان اليهوديتان: الأرجون وشتيرن. والتي جاءت بعد توقيع معاهدة سلام بين أهالي القرية ورؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة، وراح ضحيتها ما بين 250 و360 ضحية.
كما نتوقف أيضاً عند مجزرة خان يونس عام 1956 عندما اجتاحت القوات «الإسرائيلية» محافظة خان يونس بقطاع غزة، وقتلت أزيد من 500 فلسطيني، حسب تقديرات عديدة، ومذبحة كفر قاسم التي وقعت في مساء التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1956م، في نفس اليوم الذي أشعلت «إسرائيل» حرب السويس العدوانية على مصر على إثر تأميم الرئيس جمال عبدالناصر قناة السويس انطلاقاً من حق مصر في السيادة على أراضيها تمشياً مع مبادئ القانون الدولي.
والكثير من المجازر الأخرى كمجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1994 التي نفذها الإرهابي باروخ جولدشتاين، وغيرها الكثير من المجازر التي هدفت إلى إرغام الفلسطينيين على الهجرة من بلاد أجدادهم، لما يشكله وجودهم من خطر ديمغرافي على استمرار المشروع «الإسرائيلي».
والحقيقة أن تصريحات ساعار الوريث المحتمل لنتانياهو تعكس القلق «الإسرائيلي» والهاجس الديمغرافي لدى قادة المؤسسة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل»، التي ترى أن بقاء «إسرائيل» لا يضمنه سوى تحقيق فكرة يهودية الدولة، ما يعني السعي إلى التخلص من العرب بكل الوسائل، في الوقت ذاته الذي يتم فيه تشجيع المزيد من اليهود على الهجرة إلى «إسرائيل».
وفي محاولة للاصطياد في الماء العكر واستغلال فزّاعة الإرهاب، المصنعة في الأصل في أقبية الاستخبارات الغربية و«الإسرائيلية»، افترض ساعار أن من أسماهم متشددين إسلاميين من المنطقة سوف يتدفقون إلى هذه الدولة الفلسطينية، إن أقيمت، لتكوين رأس الحربة في الحرب على «إسرائيل»، ويخلص إلى أن «جميع هؤلاء سوف يتجمعون هنا، على بعد كيلومترات معدودة من مراكزنا السكانية. الأمر الذي من شأنه أن يسحق كل إنجازات المشروع اليهودي».
والحقيقة، أنه رغم أن هذه التصريحات «الإسرائيلية»، ليست بجديدة، فإنه من المهم التوقف عندها إن أردنا فهم السياسة «الإسرائيلية»، تجاه الفلسطينيين، ليس في الضفة الغربية وغزة، أو الفلسطينيين المشردين خارج فلسطين، وإنما تجاه حتى الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة عام 1948 الذين تخطط الطغمة الحاكمة في «إسرائيل» إلى تنفيذ عملية «ترانسفير» حقيقية بحقهم، باعتبارهم جزءاً من الهاجس الديمغرافي «الإسرائيلي».
ومن هنا نخلص إلى القول إن تشبث الفلسطينيين بأرضهم، هو الوسيلة الأنجع لإحباط المخطط «الإسرائيلي» العنصري، الساعي لتنفيذ مشروع يهودية الدولة، بعناوينه العنصرية الدامغة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"