ما زلنا نعيش النكبة والنكسة

02:58 صباحا
قراءة دقيقتين
إلياس سحّاب

إن من يراقب الأوضاع العربية الحالية، بشكل عام أولاً، وبشكل خاص في سوريا والعراق واليمن وليبيا ثانياً، يكتشف أنه أصبح من العبث أن يحيي العرب عند كل 15 مايو/أيار ذكرى نكبة فلسطين، وعند كل خامس من يونيو/حزيران ذكرى نكسة عام 1967، ذلك أن كلا الحدثين السياسيين الفاجعين، لم يعد مجرد ذكرى يعاد إحياؤها عند مناسبتها، بل تحولت الآثار المتراكمة لكل من الحدثين إلى واقع يومي يعيشه العالم العربي، حيث يعيش أربعة من الأقطار العربية (المذكورة أعلاه) احتمالات التقسيم.
صحيح أن في كلا الحدثين جانباً من مسؤولية التجزئة العربية والتخلف العربي، عن ضياع فلسطين وهزيمة حزيران العسكرية، لكن الصحيح أيضاً أنه كان في كليهما، دور بارز للتحالف الاستعماري- الصهيوني، الذي بدأ يخطط لنكبة فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر، لضرب احتمالات التكامل المثمر بين مصر (القطر العربي المركزي) وأقطار المشرق العربي بشكل خاص، كما حدث في أيام محمد علي، فارتكب جريمة اغتصاب فلسطين في عام 1948، وكرر توجيه ضربة عسكرية إلى مصر نظام عبدالناصر، عقاباً لها على عشر سنوات من المد القومي العربي، الذي وصل في عام 1958 إلى إقامة وحدة سياسية فعلية بين مصر وسوريا.
إذن، فإن الحدثين متكاملان بالدرجة الأولى، من حيث التشابه في الأهداف الاستراتيجية للقوى الخارجية صاحبة القرار والفعل في الحدثين، كما أنهما متكاملان بالدرجة الثانية، من حيث إن مفاعيلهما ما زالت تفرض نفسها على الواقع العربي منذ عام 1948، ثم منذ عام 1967، حتى يومنا هذا.
إن من ينظر إلى الوضع العربي العام في السنوات الأخيرة، في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، يكاد لا يصدق أن التحالف الاستعماري- الصهيوني، كان يحلم في يوم من الأيام بكل هذه النتائج العملية «الباهرة»، لكل من اغتصاب فلسطين في عام 1948، ثم توجيه الضربة العسكرية القاصمة لمصر في عام 1967، وإكمال احتلال فلسطين التاريخية. إن التكامل الذي قام منذ 1967 وحتى يومنا هذا بين النكبة والنكسة، ومفاعيل كلا الحدثين، ما كان أن يكون سلبياً ضد المصالح الاستراتيجية للوطن العربي، كما هي الحال في الأوضاع العربية العامة في السنوات الأخيرة، ما يدفعنا للاعتقاد بأن الحركة الصهيونية تعيش في هذه السنوات الأخيرة أحلى سنوات عمرها السياسي وراحة بالها. فهي أكملت بضربة حزيران العسكرية، في عام 1967، حلمها الثاني (بعد ضرب النظام الصاعد في مصر) الذي تمثل بإكمال احتلال فلسطين التارخية.
وها هي 48 عاماً تمرّ على هذه الضربة العسكرية الاستراتيجية القاصمة، تبدو فيها سيطرة الحركة الصهيونية وقبضتها على كامل أرض فلسطين، وكامل شعب فلسطين، أقوى من أي يوم مضى. خاصة بعد خديعة اتفاقيات أوسلو، التي أدت بعد عشرين عاماً ونيّف، إلى أبشع طريق مسدود عرفته القضية الفلسطينية منذ ولادتها، وسط تمزّق شعب فلسطين من جهة، وانصراف العرب نهائياً عن قضية فلسطين، إلا في مناسبات الندب والعويل، وحتى هذه المواسم بدأت تتراجع.
أشفق على كل من يحيي ذكرى النكبة ثم ذكرى النكسة، فالحادثان ليسا بحاجة إلى التذكير، إنهما ماثلان أمامنا في الوضع العربي العام منذ وقوعهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"