الخواجة عبدالقادر

على الوتر
04:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

سرّ تميز الخواجة عبدالقادر ليس بطله يحيى الفخراني فقط، ولكن أيضاً المؤلف عبدالرحيم كمال والموضوع الذي يطرحه، والمخرج شادي الفخراني نجل البطل وتكويناته الفنية في الصورة، وخلطة الفنانين المشاركين الذين ينتمون إلى أكثر من دولة عربية، ودوران أحداثه بين أكثر من دولة، وما صاحب انتقاله من مكان إلى آخر من تغير جذري في شخصية الخواجة .

المسلسل يوجه أكثر من رسالة إلى مشاهديه، حيث يحمل دعوات للحب والزهد والتصوف والإيمان، ويحذر من التطرف والجشع والتسلط والتجارة بالدين، وذلك من خلال الإنجليزي هربرت الذي يدمن الخمر ويرفض الحياة ويبحث عن الموت ويسعى إليه بعد وفاة أخيه الأصغر خلال الحرب العالمية الثانية، ويعيش في مجتمع مادي لا يعرف الرحمة ولا يؤمن بالروحانيات، وتسوقه أقداره للانتقال إلى العمل في السودان عقاباً له، ليبحر في عالم آخر يسوده الحب والإيمان واحترام الآخر، ويلتقي أناساً يحبون بعضهم بعضاً في الله، ويبدأ الاندماج في هذا المجتمع ليأخذ منه قيمه، وتعود إليه ذاته، ويتوقف عن تناول الخمر، ويتحول من باحث عن الموت إلى متمسك بالحياة بعد أن يعتنق الإسلام ويطلق على نفسه اسم عبدالقادر حباً بمعلمه ومثله الأعلى الشيخ عبدالقادر .

ومرة أخرى، ينتقل الخواجة عبدالقادر من السودان إلى العمل في قرية بصعيد مصر، وهناك يجد الجشع والظلم والتسلط، وايضاً الحب والوفاء ويتصدى لكل ذلك محاولاً نشر قيمه الجديدة فيه .

المسلسل تسير أحداثه في خطين متوازيين يمثل كل منهما زمناً معيناً، فإلى جانب زمن الخواجة خلال وعقب الحرب العالمية الثانية، هناك الزمن الآني، وفيه يعيش تلميذه كمال في القرية نفسها، وفيها انتشر التطرف بين جيل الشباب الذي يسعى لهدم ضريح الخواجة، في إسقاط على ظواهر هدم الأضرحة التي انتشرت في مصر خلال الفترة الماضية، وينقل المخرج شادي الفخراني المشاهد من زمن إلى آخر بسلاسة، لتوضيح الفرق بينهما والتغيرات التي طرأت على البشر خلال هذه السنوات، مؤكداً أن التاريخ يعيد نفسه في كثير من المواقف والعديد من الشخصيات .

وبعد أن أساءت السينما المصرية في الماضي للشخصية السودانية التي قدمتها في عدد من أفلامها في شخصية عثمان البواب وأشقائه، تنصفها اليوم الدراما من خلال مسلسل الخواجة عبدالقادر وتقدمها نموذجاً للحكمة والإيمان والزهد، وتقدم السودان مركز إشعاع لنشر الحب في محيطه .

المسلسل هو أول تجربة في الدراما المصرية للفنانة والنجمة السورية سلافة معمار التي تقدم شخصية زينب شقيقة كبير قرية الصعيد الذي يحرمها من الزواج طمعاً في أموالها، ورغم ذلك تعرف الحب مع الخواجة، وفيها أجادت وتفوقت على من سبقوها من السوريين إلى مصر في الأداء باللهجة الصعيدية، والدخول في جوهر المرأة المصرية بطقوسها ومفردات حياتها .

وفي مواجهة سلافة تقف الفنانة سوسن بدر التي تجسد شخصية زوجة شقيقها سلطنة وهي امرأة شريرة حاقدة عليها، ويكاد الشر يقفز من عيني سوسن وهي تؤديه لدرجة أنْ كرهها الناس فيه، وأصبح من يريد أن يتهم امرأة بالحقد والغل يناديها سلطنة .

وأيضاً تميز في الخواجة عبدالقادر الفنان محمود الجندي والفنانان السودانيان اللذان جسّدا شخصيتي الشيخ عبدالقادر وفضل الله، وأكدا أن في السودان مواهب فنية تبحث عمّن يوظفها بشكل صحيح لتضيف إلى الدراما العربية مذاقاً جديداً .

الخواجة عبدالقادر مسلسل يضاف إلى رصيد الفنان يحيى الفخراني، ويغوص في أعماق النفس البشرية ليقدم رؤية فلسفية عن تأثير محيط الإنسان وبيئته في تشكيل مشاعره وقيمه وهدفه في الحياة .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"