القصيدة واللوحة في القيروان

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق
تتنفس تونس الخضراء شعراً، فالشعر في رحابها له طعم آخر، والشعراء في تونس طيور تغرد على أرض عربية تتبوأ مكانة عليا، وفي مهرجان القيروان للشعر العربي في دورته الأولى، كان الوجود كله مع القصيدة التونسية بكل جمالياتها وتفوقها المعهود، وقد شرفت بأن أكون في صحبة عبدالله العويس، رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، في هذا المهرجان، الذي تنوعت فيه مصادر المعرفة الإنسانية واتحدت من خلاله الذائقة الفنية، حيث أثبتت تجربة إنشاء بيت الشعر في القيروان نجاحها منقطع النظير، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فاليوم وبعد مرور ما يقرب من عام أصبح بيت الشعر في القيروان لاعباً أساسياً في الحياة الثقافية التونسية.
وهذا يؤكد أن بيت الشعر يجمع أصحاب الكلمة في تونس على الشعر، من أجل توحيد الجهود في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا والتي لا ينفصل الشعر عنها بكل تجلياته المدهشة، وقد استطاعت دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة أن تكون جسر تواصل بين بيوت الشعر، وأن تعمل بكل طاقتها بتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، وفي هذه المرحلة، وبعد مرور هذه الشهور الطوال نجحت التجربة، وحققت الكثير من أهدافها، فالهدف الأسمى أن تتواصل الكلمة الشعرية على كل المستويات، وأن تنتعش سوق الشعر وتتلاقح التجارب الإنسانية، وتتلاقى الأجيال على ضفاف الشعر الذي له مكانه البارز، فشعراء تونس أصحاب تجارب غنية، ويمتلكون روح التجديد، ويشكلون عقداً متيناً من الشعر المتميز الذي له حلاوته وطلاوته.
وما زلت أعيش لحظات خاصة مع المحاضرة الأثيرة التي ألقتها في المهرجان المستشرقة الإيطالية فرانشيسكا كراو، التي تحدثت خلالها عن كتابها «الشعراء العرب في صقلية»، وهذا دليل على الاحتفاء بالشعر في تونس الخضراء التي تتمتع بجمالها الفريد على الخريطة العربية. إن هذه المستشرقة تستحق كل التقدير، كونها جمعت أكثر من سبعين شاعراً من بينهم 17 جاؤوا إلى صقلية من القيروان وحدها. وكل من أتاحت له الظروف الاستمتاع إلى هذه المحاضرة كانوا أمام معلومات تاريخية مهمة، حيث استطاعت فرانشيسكا أن تخطف الأضواء بحديثها الجذاب المفعم بالثقافة والقراءات التاريخية العميقة والاحتفاء الحقيقي بشعراء لهم وجودهم المعبر في صفحة الشعر، وما أثار انتباهي أن هذه المستشرقة لم تكتف بترجمة الأشعار العربية، بل استعانت بكبار شعراء إيطاليا لصياغة النصوص بإيقاع لإيمانها بأهمية الإيقاع في تلك الأشعار العربية.
ومن الأشياء التي تدعو إلى الإشادة، حيث إنها جاءت بشكل طبيعي، وبما يعبر عن طبيعة الشعب التونسي المثقف عاشق الشعر، أن موقع بيت الشعر في القيروان مكرمة صاحب السمو حاكم الشارقة، أنه يقع في قلب المسلك السياحي بالمدينة العتيقة بشارع سيدي عبيدي الغرباني، حيث مقر جمعية صيانة المدينة وفرع المعهد الوطني للتراث، إذ يتم الدخول إلى هذا الشارع عبر أهم أبواب سور القيروان القديم «باب الشهداء»، وقد أصبح بالفعل بيت الشعر هو بيت شعراء تونس وفنانيها وأدبائها ومثقفيها، حيث تنتشر هناك لوحات الفنانين التشكيليين، وهو ما أوجد سوقاً آخر للفن للمبدعين في مجال الفنون التشكيلية، وقد اتحدت في هذا المضمار القصيدة واللوحة، والتقى الفن بجميع أشكاله في مكان واحد، وفي هذا المكان تُعرض اللوحات الفنية ويمر أصحاب المواهب ليشاركوا في هذه التظاهرة الفنية، وهناك من يشتري هذه اللوحات، وقريباً سيتم افتتاح بيت الفنون بالقرب من بيت الشعر.
لقد جمع بيت الشعر أصحاب الإبداع في الشعر والرسم، وفي الثقافة الإنسانية، حيث تبقى الريشة هي صاحبة القيمة، إذ يحركها الشاعر فتكون القصيدة، ويحركها الرسام فتكون اللوحة، وتونس هي هذه اللوحة الجميلة التي قال عنها نزار قباني:

يا تونس الخضراء جئتك عاشقا

                 وعلى جبيني وردة وكتاب

حتى يصل إلى قوله:

يا ساكنات البحر في قرطاجة

           جف الشذى وتفرق الأصحاب


محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"