سلامٌ على شعرنا العربي

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

عالميّةُ الشعر العربي لا مراء فيها، فقد كتب القدماء والمحدثون قصائد شامخةً شموخ الدهر، وظلَّ الشعر العربي بجماله وألقه مصدراً مهمّاً للبحث والدراسة والاستمتاع، ولم أحلم مطلقاً إلا بالقصيدة العربية التي تنطوي على لغةٍ مكتملة المعاني وهائلةٍ في مفرداتها المتنوعة، فسلامٌ على الشعر العربيِّ أينما حل وأينما كان، فهو العرس والرؤيا، والأرواح التي ما ماتت رغم تقادمها ومرور مئات السنوات على رحيلها لا تزال حيّةً بما تركت، ونحن إلى الآن نستمتع بإيقاعاتها التي تترامى على كل أطراف الكون.
 وما يدعوني إلى هذا الكلام ليس بالأمر اليسير، إذ ماذا بعد كل هذه الإيقاعات التي ملأت حياتنا نغماً وألهمتنا الحياة، ماذا بإمكاننا أن نقدم لزهور الشعر العربي، هل نهملها ونتركها تموت بفعل التراجم الأجنبية للشعر الآخر من كل بلدان العالم، إننا لا ننكر أنَّ لكلِّ شاعرٍ على هذه البسيطة ما يميّزه عن الآخر، والشعر المترجم جزءٌ من حركة الشعر ومشهده، لكن يجب ألا يطغى على تراثنا ومجدنا العربي.
 وهذا ما يدعونا إلى التوازن، فلا ضير من أن نتوغَّل في الآخر، لكن دون المساس بميراثنا العريق وحقنا في أن تظل أضواء الشعر العربي بنسقه المتجدد متوهجةً وناطقةً باسمنا وباسم لغتنا وإيقاعاتنا، إذ ليس من المعقول أن نكون ضد التطوّر، لكن التطوّر في مجمله هو البحث عن آلياتٍ تعزِّز بنية القصيدة لدينا بما يتناسب مع موسوعات اللغة العربية والخيال الذي يتسع بما نملك من سيلٍ لا نهائي من المفردات، أما أن نتوه في الآخر ونذوب فيه من دون داعٍ ونقول إننا تطوّرنا وأصبحنا نكتب مثل شعراء غربيين ماتوا منذ عشرات السنين، وأن تراجمهم هي السبيل الوحيد لحياتنا الشعرية، فهذا الكلام بعيدٌ عن الصواب، خصوصاً أن الثراء الذي نمتلكه في آليات شعرنا العربي كافٍ لكي نعيد صياغة مستقبل الشعر العربي بمفاهيم تليق بمجده الضارب في عمق التاريخ، وتليق بحاضره لأنه يعبر عن هويتنا ووجودنا.
وحين نحتفل باليوم العالمي للشعر فإننا في الحقيقة نحتفل بعالمية الشعر العربي ودوره في رصد ما مضى، ورصد الحاضر أيضاً، ليس هذا فحسب، بل إنني سأذهب إلى أبعد من هذا حين أنظر إلى حال الشعر وسبل تدريسه في المراحل الدراسية الأولى، فهو بكل تأكيد يحتاج إلى بذل جهدٍ أكبر من أجل الوصول إلى مستوى يليق بنا وبمجدنا العربي وضرورة بثه في نفوس الأبناء وتقوية جهازهم المناعي اللغوي ضد عبثيّة الآخر التي جعلت أولادنا في المدارس لا تعرف إلا بعض أسماء الشعراء الغربيين، ومن ثمَّ تضيع هيبة الشعر العربي في نفوسهم.
 وإذا كانت هذه هي السلّمة الأولى في واقعنا المعاصر، فماذا عن الذين انتموا إلى الفكر الغربي بالكلية وتناسوا ما يزخر به شعرنا العربي من إبداعٍ حقيقيٍّ وغير مطروق؟!
 لكن لا يخفى على أحدٍ أنَّ كلَّ ما هو جميلٌ صعبٌ في مكوِّناته، فالشعر العربيُّ كما هو معروفٌ تجتمع فيه خصالٌ عديدةٌ مثل الموسيقى وتوافقها مع المعنى وكذلك القافية، وهو ما يجعل من هذه العناصر المتشابكة عندما تتوافق تخرج لنا مضموناً خارجاً عن المألوف، لذلك نجد أنَّ الشاعر الذي يتمكن من أدواته ويحرص على التجديد والتحليق خارجَ السرب، يصبح في نظر الجميع قيمةً نادرة، وهو ما يجعلنا نغار على شعرنا العربيِّ ونخشى عليه من الذوبان في الآخر، إذ لا بد لنا من أن نعمل على حفظ هذا الموروث الكبير ونجتمع عليه ونتفق على أن عالميّته هي الأساس الذي يجعلنا نحرص على خوض مغامراتٍ جديدةٍ وفق خصوصيّاته، لأنني أرى أن سماءه فوق كلِّ سماءٍ أخرى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"