قضية أم سواتر ترابية؟

02:49 صباحا
قراءة دقيقتين

يحلو لبعض قادة العمل الدبلوماسي أن يكرروا ما يشبه كوبليهات الأغاني. يفعلون ذلك على نحو يشير إلى أنهم يتوهّمون أن بضاعتهم رائجة وأفكارهم ثاقبة ومواقفهم لدى الشعوب لا تخرّ الماء. وأصبحت هذه الكوبليهات، مثلما المؤتمرات وقود الكذب وترحيل القضايا وتخدير الناس، وفضحت الناطقين بها وحوّلتهم إلى ما يشبه رسائل الرد الهاتفي المسجلة مسبقاً.

هذا بالضبط شأن التعاطي مع الصراع العربي الإسرائيلي بطبعته الفلسطينية تحديداً منذ اللحظة التي انبثقت فيها مشاريع التسوية التي لا يمل روادها من المراهنة عليها رغم الفشل المتواتر والتراجع المستمر وانسداد الآفاق، والأنكى من ذلك إضاعة وقت من دماء وتضحيات.

وإذا أخذنا بالاعتبار أن كل ما يرتكب بحق القضية الفلسطينية يجري باسم السلام، فإننا نلاحظ كم هو منهج تضليلي وخطير أن يستخدم هذا الهدف السامي بطريقة تزرع الألغام والقنابل الموقوتة تحت وسادات الجيل القادم ببسطائه وأطفاله وأناسه الذين لا ذنب لهم في ما يورِّثه لهم قادتهم من كوارث باسم السلام والمصلحة الوطنية العليا.

لقد مضت ثمانية عشر عاماً على مؤتمر مدريد الذي قابله الفلسطينيون بالاحتفالات في الشوارع، وخرجوا لاستقبال الوفد المفاوض بالأهازيج والأفراح، وراح الوفد يطوف المدن والقرى والمخيّمات يشرح للناس كيف حقّق المعجزات وعاد من مدريد ب رأس كليب. وعادوا بعدها في مسلسل تفاوضي من إحدى عشرة حلقة صالوا وجالوا خلالها ومقابلوهم الإسرائيليون والراعي الأمريكي النزيه، وشبعوا طحناً للماء وحصاداً للهواء، وعلى غير طريقة المسلسلات تلاشى مسلسل مدريد من دون نهاية تقليدية، إذ وصل المسار إلى تحويلة من مدريد إلى أوسلو، لتتحوّل-بقدرة قادر- كل الصعوبات والعقبات، إلى طريق معبّدة لاتفاق أعلن عنه من دون مقدمات تفاوضية اختار المفاوضون الجدد قنواتها سراً. ومرّة أخرى خرج مئات الفلسطينيين إلى الشوارع حاملين أغصان الزيتون، بل إن بعضهم زرعها في فوهات بنادق المحتلين. حينها قال الحكيم الراحل جورج حبش إن التاريخ لن يسجِّل أن احتلالا قد رحل برفع أغصان الزيتون.

وبعد، فإن السلام قيمة إنسانية سامية، وليس إنساناً طبيعياً من يرفض السلام كقيمة ومناخ آمن للأجيال، ولكن السلام لا تقيمه الكلمات الجميلة ولا يتحقق مع قطاع الطرق وسارقي حقوق الآخرين مع سبق الإرهاب. ليس معقولاً أن يذهب الوفد الفلسطيني المفاوض بعد ثمانية عشر عاما مما تسمى عملية السلام، وهو يحمل معه قائمة من مطالب جمع الشمل ليشحذ الموافقة الإسرائيلية عليها. ليس معقولاً أن تتقزم القضية الفلسطينية بعد كل هذه التضحيات إلى مفاوضات على بضع سواتر ترابية... ليس معقولاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"