الإرهاب والنظام الدولي

01:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
بات مؤكداً أن مصطلح الإرهاب هو مصلح إشكالي مختلف عليه بين الدول نفسها، وبين القانونيين والأكاديميين والباحثين والمحللين، وغيرهم من المعنيين بشؤون الإرهاب. وهذا الاختلاف حول المصطلح تقف خلفه العديد من القضايا محلّ الإشكال، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو عقائدي، وفي كل الأحوال ثمة استثمار، في أحيان كثيرة، لقضايا الإرهاب، حيث شكّل «الإرهاب» ولا يزال أداة ضغط من قبل بعض الدول على دول أخرى، وفقاً لرؤية محدودة، لا تأخذ بالحسبان أن الإرهاب قضية متعددة الأصول، ولا يمكن حصرها بسبب واحد، كما لا يمكن إلقاء اللوم فيها على أطراف دون أخرى، خصوصاً في ظل وجود مسؤولية دولية، أو على الأقل افتراض وجود مثل تلك المسؤولية.
ولقد مالت الرؤية الأمريكية بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001 إلى القيام بأعمال استباقية ضد الإرهاب، وترتّب على هذه الرؤية قيام الولايات المتحدة بغزو أفغانستان في 2001، ثم احتلال العراق في 2003، للقضاء على تنظيم «القاعدة»، لكننا بعد أكثر من عقد على هذين الحدثين نجد أن الإرهاب عرف تمدداً على مختلف المستويات، بل إن تنظيماته باتت تحتل أراض في بعض الدول، مع تخبط دولي في محاربة تلك التنظيمات، حتى إن الولايات المتحدة نفسها قالت في غير مرة إن القضاء على بعض التنظيمات قد يحتاج إلى سنوات وربما عقود.
ويمكن القول إن بعض الاستراتيجيين الأمريكيين رأوا في الإرهاب الخطر الأول على أمن بلدهم، وقد اعتبروا أن الشرق الأوسط هو المصدر الرئيس للأخطار الإرهابية.
إن النظرة الأمريكية إلى الإرهاب بوصفه مرتبطاً بالشرق الأوسط رافقتها قضايا أخرى، من بينها مدى الاعتماد على الدول الشرق أوسطية في المساعدة على القضاء على بؤر الإرهاب، وتجفيف المصادر المالية للتنظيمات الإرهابية، ومتابعة المؤسسات والأفراد المتورطين في دعم الإرهابيين، لكن هذه النظرة لم تأخذ بعين الاعتبار الكثير من القضايا السياسية الشائكة الموجودة في المنطقة، والقابلة للتفاعل على أكثر من صعيد، ودورها في تأجيج الصراع بين الدول، وهو ما أكدته الوقائع بشكل ملموس بعد «الربيع العربي»، حيث تداخلت قضايا المنطقة، وحدث استثمار كبير، من أطراف متعددة، في دعم فصائل مسلحة، ذات مرجعيات مذهبية، في ظل فشل الدول الوطنية، وانفتاحها على المجهول.
ونحن نشهد اليوم حالة معقدة ومركبة من الحرب على الإرهاب، تتداخل فيها المصالح السياسية التي تجعل من الاتفاق على مصطلح الإرهاب أمراً يكاد يكون مستحيلاً، وهو ما يعقّد من طبيعة هذه الحرب، خصوصاً في ظل غياب التسويات السياسية التي من شأنها أن تفسح المجال أمام عودة بنية شبه مركزية في الدول المشرقية التي دخلت في نفق الفشل، ولم تعد تتمتع بأية إمكانات حقيقية لمعالجة قضاياها، وهو ما جعلها تعج بتنظيمات مسلحة، بعضها موضوع على خانة الإرهاب الدولي، بموجب قرارات أممية.
لكن، لا أحد فعلياً ينظر بشكل مباشر إلى مسؤولية النظام الدولي نفسه في تطور الإرهاب، ونشوء ظروف موضوعية تسهم في نموه، وتجعل من تنظيماته قبلة لآلاف من الأفراد في مختلف دول العالم للانضمام إليها، وهو ما تشير إليه الكثير من الإحصائيات التي نشرت خلال الأعوام السابقة، والتي رصدت انضمام آلاف من المواطنين الأوروبيين إلى صفوف التنظيمات «الجهادية»، وهم يعبرون في طريقهم إلى ساحات القتال من دون أن يتم إيقافهم.
أما المسألة الأهم في انعكاساتها على تنامي الإرهاب، بل والاختلاف حول دلالة المصطلح، فهي التغيّر النوعي في النظام الدولي برمته، وكأننا أمام حالة من انعدام الوزن، حيث راحت الولايات المتحدة، منذ بداية عقد التسعينات في القرن الماضي، تمارس دوراً أحادياً في قيادة النظام الدولي، وعوضاً عن مراجعة مكمن الخلل الذي أدى إلى هجمات سبتمبر 2001، قامت بحروب استباقية، ذات كلف سياسية عالية، ناهيك عن الكلف الاقتصادية والإنسانية.
وإذا كان الأمريكان أنفسهم قد أسهموا مع آخرين في الترويج لنظام دولي متعدد الأقطاب، من أجل التعاون في إدارة مختلف الشؤون الدولية، إلا أن الواقع الراهن يشير إلى حدوث فشل كبير في التحوّل إلى نظام شبكي، يقوم على التعاون في تحقيق المصالح، ما جعل بعض اللاعبين الدوليين وحتى الإقليميين في الشرق الأوسط ينتهجون سلوكاً عسكرياً وسياسياً غير مضبوط، وغير عابئين بنتائج هذا السلوك على نمو التطرف والإرهاب، والأسوأ من ذلك هو اتخاذ الإرهاب حجة من أجل تحقيق مآرب سياسية بعيدة المدى.
وفي المحصلة، فإن غاية القول هي إن الإرهاب بتجلياته الراهنة هو الثمرة المرّة التي نبتت في أرض النظام الدولي الفاقد لقوة الجاذبية، حيث تتحرك إرادات الدول في حالة من التعارض والتضاد، غير عابئة بالنتائج التي لن يكون بالإمكان تجنبها، أو تلافي ضررها راهناً ومستقبلاً.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"