كلا.. لن نغرق في شبر ماء

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خالد

عام ١٩٤٨، كان عام النكبة بقيام دويلة «إسرائيل» ذراع الصهيونية العالمية في فلسطين المحتلة.
عام ١٩٦٧، سقوط العسكريتاريا العربية ذات المدافع الخرساء ونواح الإنسان العربي والبكاء على الأطلال، تلك الكارثة التي هزت الرجل العربي وصعقته، فبدا جثة هامدة لا حياة فيها. وقع شبح النواح الوطني على كامل الأمة، وكأنها مجموعة خراف لا حول لها ولا قوة. العزاء الوحيد الذي بقي مرفوع الرأس هو المرأة العربية التي ضمّدت جراح الرجل المنهار: «إبكِ كالرجال ملكاً لم تحافظ عليه كالنساء».. هذا العزاء الأندلسي بالمقلوب.
الصرخة الصاعقة مرفوع الرأس أطلقها الشاعر الفلسطيني ابن مدينة الناصرة الصامدة توفيق زيّاد التي أيقظت النيام: «كلا.. لن نغرق في شبر ماء».
وكانت هذه الصرخة هي الرد والخريطة على الهزيمة، حيث نهض الحصان العربي من كبوته مرفوع الرأس.
كان توفيق زيّاد الشاعر العظيم الذي ذكرنا بقصة الفاتح العربي عقبة بن نافع الفهري، الذي وصل إلى المحيط، ودفع حصانه نحو الماء حتى وصل إلى عنقه، فرفع الفاتح يديه نحو السماء، قائلاً: «اللهم إني أشهدك أن لا مجاز، ولو كان هناك مجاز، لجُزتْ».
لقد وصل الفارس العربي إلى شاطئ المحيط، ولكن سفينته لم تكن قد وصلت بعدُ، ليعبر بها إلى أوروبا.
كان توفيق زيّاد أول من رفع صوته منذ اليوم الأول وسط وَلْولة الوطن من أقصاه إلى أقصاه، ودموع الهزيمة منهمرة كالشلالات، مصوّباً بوصلة الهزيمة نحو بوصلة النصر القادم بتفاؤله العظيم غيرّ غافل عن ذلك النداء: «تحت سماء الطغيان رأس دامية، ولكنها لا تنحني».

* أسلحة النصر السرية:

الأسلحة السرية التي تحرر الأوطان المستعمرة التي يجهلها جميع المستعمرين في التاريخ. فعندما يزيل الاستعمار الطبقة الرملية السطحية تتكشف له الصخور الصماء الخمسة، وهي: الإرادة، الذاكرة، الحلم، الوعي، الأغنية. هذه الأسلحة التي يجهلها جميع المستعمرين في التاريخ، ولا يعرفون لها حلاً حتى بعد هزيمة الاستعمار ودفنه إلى الأبد.

* الإرادة:

القائد العظيم هو الذي يثبت أن المستحيل ممكن.
القائد «الإسرائيلي» المنتصر عام ١٩٦٧ (موشي دايان) جمع أركان حربه، وقال لهم يائساً: «لا أنا ولا أي جنرال (إسرائيلي) آخر قادر على هزيمة الفلسطينيين.. الذي سيهزمهم هو الجنرال (يَأسْ)».

* الذاكرة:

يا وطن: أعطنا كارثتنا كفاف يومنا.
باسم العدالة ضحت الاشتراكية بالحرية، وباسم الحرية ضحت الرأسمالية بالعدالة. (إدواردو غاليانو)
على أحد الجدران كتبت امرأة عربية مناضلة: «أيها الرجال إياكم أن تضحكوا على امرأة تجدل شعرها لتصنع من ضفائرها حبلاً تنقذ ثوراتكم الناقصة المشرفة على الغرق».
«يأكل الغني متى يشاء، ويأكل الفقير متى استطاع»، في هذه الجملة القصيرة تتخمر جميع الثورات التاريخية.

* الحلم:

لكي تحقق أحلامك، عليك أولاً أن تستيقظ. (الصادق النيهوم)
من لا يحلم لا يستطيع أن ينتصر.
الثوري يحلم بالوطن، اللاعب الثوري يحلم بالكرسي.
الحديث عن وعد إلهي لليهود خرافة سخيفة، لأن الوعد الحقيقي لليهود ليس وعد الله، بل وعد بلفور.
أسوأ أنواع المخدرات هي الأحلام الممنوعة.
الاستعمار بكل أشكاله يأخذ الجانب الطري من مهمته الأساسية، وهي الأرض، محاولاً الاستفادة من الوقت المتاح لنهب الثروات. آجلاً أم عاجلاً سيصطدم بالجانب الفولاذي الصلب الذي لا يعرفه ولن يعرفه، هو ذاك المعول الذي سيدمره.
وبعد فوات الأوان سيكتشف أن من استعمرهم هي العنقاء الأسطورة التي ستنهض من تحت الرماد، وتحلق عالياً.

* الوعي:

الشعب الذي يسبق قادته في الأزمات لا يحتاج إليهم.
لماذا يراد للعربي أن يكون «الأهبل» الوحيد في العالم الذي يقدم مصالح الآخرين على مصلحته؟
المأزق الذي يواجه جميع الجيوش المحتلة هو: إذا تمدد للسيطرة على الأرض، فقد قوته، وإذا تجمع للمحافظة على قوته، فقد الأرض.
قال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص: «أنا لست من السنة ولا الشيعة في هذا الصدام البائس: أنا مسلم لبناني.. أنا لست من المسلمين ولا المسيحيين في تمايز طائفي.. أنا لبناني عربي».

* الأغنية:

-علّي صوتك بالغنا.. لسه الأغاني ممكنة.
-للنسور ولنا الملعب.. والجناحان الخضيبان بنور العلى والعرب. (سعيد عقل)
-موطني: الجلال والجمال والهناء والرجاء في رباك. (إبراهيم طوقان)
-اسمعوا يا كل الملوك.. إذا راح الملك، بييجي ملك غيرو، إذا راح الوطن، ما في وطن غيرو. (منصور الرحباني)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"