هل بدأت نهاية عصر القطب الأوحد؟

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

منذ ان بدأت تلوح في عهد الرئيس الأسبق جورباتشوف تباشير نهاية النظام السوفييتي، وتفكك المعسكر الاشتراكي، كان واضحا ان مسيرة التاريخ تقودنا نحو نهاية عصر وبداية عصر جديد، في عملية تطور طبيعي وفقا لسنن وقوانين تطور التاريخ البشري، وبعيدا عن ادعاءات الرئيس الأمريكي ريجان الدون كيشوتية التي بالغ فيها بالتفاخر بأنه الرئيس الأمريكي الذي وضع حدا في فترة حكمه للنظام السوفييتي.

ومع ان ثلاثة رؤساء أمريكيين قد تعاقبوا على البيت الابيض، منذ ذلك التحول الهائل في التاريخ المعاصر (بوش الاب، وكلينتون وبوش الابن)، فلا شك في أن المرحلة الجديدة في التاريخ الدولي المعاصر التي اعقبت تفكك النظام السوفييتي، والتي يصح ان تحمل اسم مرحلة هيمنة القطب الاوحد في السياسة الدولية (أمريكا)، قد تجلت اكثر ما تجلت في عهد بوش الابن، الذي امتد على ولايتين متتاليتين، وذلك لا يعود حتما الى صفات قيادية مميزة لدى بوش الابن (هو حتما ابعد ما يكون عنها)، بل لأن التاريخ علمنا أن تحولاته الكبرى من مرحلة صريحة راحلة، الى مرحلة صريحة قادمة، تمر دائما بمرحلة انتقالية تشهد تصفية متدرجة لتركة المرحلة السابقة، ونموا طبيعيا لمكونات المرحلة اللاحقة.

والحقيقة ان سببا اضافيا ثانيا (غير هذا السبب التاريخي) جاء يميز مرحلة بوش الابن في التعبير عن عصر سيطرة القطب الاوحد في السياسة الدولية، هو ان بوش الابن لم يكن في البيت الابيض سوى رأس حربة تيار المحافظين الجدد، الذي كان كامنا في عهدي بوش الاب وكلينتون، ولم يصل الى تسلم كامل لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة سوى في عهد بوش الابن، لأسباب عديدة منها نضج الظرف التاريخي، والضعف الشديد لشخصية بوش الابن، ومكوناته الشخصية الاقرب ما تكون الى معتقدات تيار المحافظين الجدد.

وهكذا، ومع ان عصر القطب الأمريكي الاوحد في السياسة الدولية قد اكمل العقد الثاني من عمره تقريبا، فإن هذا العصر لم يصل الى ذروة التطابق بين تجلياته النظرية الفكرية من جهة، وتجلياته العملية السياسية والعسكرية من جهة ثانية، الا في الاعوام الثمانية الاخيرة. وهكذا فإن قرب نهاية هذه الحقبة، بسبب رحيل بوش الابن الوشيك عن البيت الابيض، يصلح مناسبة للتوقف ومحاولة اجراء كشف حسابي لهذا العصر، وكشف لاحتمالات بقائه او زواله.

اختصارا للموضوع فإننا نحصر بحثنا هذا في صعيدين اثنين، يمكن ان يحسما مصير عصر القطب الاوحد في السياسة الدولية:

الصعيد الأمريكي الداخلي. وصعيد القوى الاخرى الفاعلة في السياسة الدولية.

بالنسبة للصعيد الأمريكي الداخلي، فإن كل المؤشرات تتجه نحو ترجيح رحيل الجمهوريين (والمحافظين الجدد) عن البيت الابيض، وفوز مرشح الديمقراطيين باراك اوباما.

اما على صعيد القوى الاخرى على ساحة السياسة الدولية، فلا شك في أن الاسلوب المتحجر وغير المرن الذي خلط فيه عهد بوش الابن بين عقيدة المحافظين الجدد من جانب، وبين المصالح العليا للولايات المتحدة من جانب آخر، هو الذي قاد الى سلسلة العمليات الأمريكية الفاشلة التي اساءت استغلال عصر الاحادية القطبية حتى انجزت فيه عمليات قلصت من الرصيد الدولي للولايات المتحدة بدلا من الاضافة اليه.

ومثل هذه الامور لا تمر في السياسة الدولية دون تحريك ردود فعل فورية، لدى القوى السياسية المتضررة والمغيبة في عصر الاحادية القطبية. وهذا ما كان شديد الوضوح في الأزمة الاخيرة بين روسيا وجورجيا (احد وكلاء الامبراطورية الأمريكية).

لكن روسيا ليست حتما اللاعب الدولي الوحيد الذي سيتحرك لاستغلال سلسلة العمليات الأمريكية الفاشلة في الساحة الدولية، ولا نعني هنا فقط قوى مثل الصين والهند واليابان، ولكن حتى الدول الكبرى في الاتحاد الاوروبي، تبدو مندفعة (وان بهدوء وروية) للتمييز المتزايد بين سياستها الدولية، وسياسة واشنطن الدولية، حتى في الشؤون الامنية والاستراتيجية.

وذلك أمر عليه مؤشرات كثيرة، منها الاسلوب شبه المستقل الذي بدأ الرئيس الفرنسي يتحرك في اطاره، في مسائل الشرق الاوسط المعقدة.

على أي حال، ومن دون التورط بالجزم ان نهاية عصر الاحادية القطبية الأمريكية باتت وشيكة، فإن مؤشرات جدية كثيرة، أمريكية ودولية، بدأت تلوح في الافق، تتيح الاستنتاج بأننا ربما نكون على ابواب مرحلة انتقالية شبيهة بتلك التي تلت نهاية العصر السوفييتي في نهايات القرن المنصرم، تمهد للمرحلة الدولية الجديدة، التي ستلي انهيار عصر الاحادية القطبية الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"