حكم القصر في السفر (٢-٢)

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

إذا كان للمسافر أن يقصر صلاته في حال السفر، فإن ذلك الحق ليس على الإطلاق، إذ ربما يمكث خارج وطنه لسنة أو سنوات، وعندئذ يكون لسفره حكم آخر.
من أجل ذلك فإن الفقهاء قيدوا السفر المبيح للقصر بزمن محدد، فقال السادة الأحناف «يحق للمسافر أن يقصر الصلاة ما لم ينو إقامة خمسة عشر يوماً فصاعداً في بلد السفر».
أي أن له أن يقصر ١٤ يوماً من غير حرج لأنه مسافر، وإذا أراد أن يمكث أكثر وكان قد نوى ذلك كخمسة عشر أو عشرين يوماً، فإنه يقصر أربعة عشر يوماً ثم يتم، ودليل الأحناف في هذا قياس القصر على الطهر للمرأة الحائض، حيث إن مدة طهرها حددت بخمسة عشر يوماً، وهذا القول مأثور عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
ويرى الأحناف أنه إذا سافر إلى بلد ولا يدري متى تنقضي حاجته فإن له أن يقصر ما يشاء حتى لو طال الانتظار سنوات، حجتهم في هذا أن ابن عمر أقام باذربيجان حين حبسه الثلج ستة أشهر يقصر الصلاة، وأيده في ذلك جمع من الصحابة (انظر بداية المجتهد لابن رشد ج١ ص ٦٢ وما بعدها، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٨٥).
أما المالكية والشافعية فإنهم قالوا «إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في بلد أتم الصلاة، وفيما دون الأربع يقصر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام بمكة في عمرته ثلاثاً يقصر» (انظر نيل الأوطار للشوكاني، ج٣ ص ٢٠٧ وما بعدها).
والمالكية قدروا مدة الإقامة المبيحة للقصر بعشرين صلاة أي إذا بلغت العشرين يتم، وفيما دون ذلك يقصر، إلا أنهم والشافعية لم يحسبوا يومي الدخول والخروج ضمن الأيام الأربعة.
والحنابلة قالوا «إذا نوى المسافر أكثر من أربعة أيام أو أكثر من عشرين صلاة أتم ولم يقصر» أي أن له أن يقصر مدة أربعة أيام، ويوما الدخول والخروج محسوبان من المدة عند الحنابلة.
والمالكية يتفقون مع الحنابلة في أنه لو مكث في بلد السفر ولا يدري متى تنقضي حاجته جاز له أن يقصر حتى لو طالت المدة، وهكذا قالت الحنفية.
أما الشافعية فلم يتركوا المدة مفتوحة، بل قيدوها بثمانية عشر يوماً غير يومي الدخول والخروج، وحجتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح لحرب هوازن هذه المدة وكان يقصر الصلاة (رواه أبوداود والترمذي والبيهقي بروايات مختلفة).
ومن شروط القصر ألا يقتدي من يقصر بمقيم في حال إذا صلوا جماعة، ولو فعل ذلك وجبت عليه الإعادة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما جعل الإمام ليؤتم به» (رواه البخاري ومسلم).
لكن المالكية قالوا: يجوز مع الكراهة، إذ إنهم يشترطون توحيد نية الإمام والمأموم في حال الاقتداء.
فالأولى أن يقتدي المقيم بالمسافر، لأن المسافر إذا سلم عن ركعتين فإن المقيم يأتي بالباقي شأنه شأن المسبوق الذي تفوته ركعة أو أكثر ودليل هذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح حيث كان يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم يقول «يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي).
وللمسافر أن يأتي بالصلوات المسنونة إذا أراد، لأن الروايات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم مختلفة، وقيد الحنفية ذلك بوجود الأمن والاستقرار، وإلا فيقتصر على الفرائض والمنطق أن يكتفي بالفرائض، لأن المسافر يتمتع بالرخصة، وما شرعت الرخصة إلا لرفع المشقة فكيف يضع على نفسه السنن؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"