عن الوفاق العادل

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العزيز المقالح

صار لا بديل للشعوب الغالبة أو المغلوبة من الاحتكام إلى الوفاق العادل والتوافق المعترف به من العقلاء والنافذين في أبنائها، إذا أرادوا العيش في أمن وسلام وفي منأى عن المنازعات والحروب والاقتتال الداخلي. وليس هذا ما يرغب العقلاء والحكماء في قوله، بل هو ما أثبتت الأيام ضرورته وأكده واقع الحياة من خلال النماذج المستوحاة من حياة الشعوب الآمنة المستقرة والسائرة في طريق البناء والتقدم وتحسين معيشة المواطنين بوصفها الهدف الأساس من كل محاولات التطور والتغيير.
وسؤال اللحظة الراهنة بالنسبة لنا عربياً: هل يمكن النظر إلى ما حدث في لبنان أخيراً وبعد صراعات مريرة على منصب رئيس الجمهورية واعتباره نموذجاً صالحاً للتطبيق في الأقطار العربية التي يتناحر أهلها على قضايا مشابهة؟ والإجابة عن سؤال كهذا لا تتوقف على نجاح التجربة اللبنانية وما سوف يسفر عنه الوفاق اللبناني فقط، وإنما على استعداد القوى المتصارعة في الوطن العربي للأخذ بفكرة الوفاق لاسيما حين يكون الوفاق عادلاً لا يعطي للأقلية الحق في التحكم بالأكثرية ولا يعطي للأكثرية الحق في التحكم بالأقلية وإقصائها عن الشراكة.
ولعل أوضح معالم الخلافات بين القوى المتنازعة في بعض الأقطار العربية لا تقوم على القضايا الكبرى المتعلقة بكرامة الوطن والحفاظ على سيادته واستقلاله وعلى حرية المواطن وتحسين أسلوب معيشته، وإنما وهو ما يحزّ في النفوس ويقضّ مضاجع العقلاء تقوم على الرغبة الجامحة في الاستيلاء على السلطة حتى، ولو كانت مغمسة بالدم ومعمدة بدموع الأرامل وتعاسة اليتامى.
كما أن ما أسفرت عنه تلك الخلافات من حروب لا تدور بين أبناء الوطن وأعدائه من غزاة وطامعين في خيراته وإنما تدور بين هؤلاء الأبناء الذين يتم الزج بهم في حروب لا يهدف أغلب من يشعلونها سوى إلى التمسك بالسلطة أو محاولة الاستيلاء عليها وهي لعبة باتت مكشوفة، وليس في إمكان أي طرف أن يداري، وبالأحرى يواري السبب الكامن وراء هذا النزيف الدموي الذي يتزايد يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.
والجارح والمؤلم أنه بعد أن تم كشف عورة السلطة السياسية في عدد من الأقطار العربية المبتلاة بالحروب والاقتتال، وبعد ظهور مساوئها وما تسببه للقائمين عليها من منغصات واحتقار شعبي فإن عشاق هذه السلطة ما يزالون في تزايد، والمغامرين بحثاً عنها وتمسكاً بها يتزايدون أيضاً، وهو ما يؤكد لا غياب الوعي بالواقع وغياب المشروع الوطني الجامع من ناحية وإنما غياب العقل.
وإذا كان ذلك قد حدث في أزمنة غابرة وفي عصور كانت فيها القوة هي الوسيلة الوحيدة للاستيلاء على الحكم أو التمسك به فإن البشرية الآن قد نجحت في اكتشاف وسائل أكثر أمناً وعدلاً للوصول من خلالها إلى السلطة التي لم تعد مغنماً كما كانت، وكما لا تزال في الشعوب المتخلفة، وإنما غدت مغرماً وعبئاً ثقيلاً يجد العقلاء أنفسهم في حل من الزج بأنفسهم في أتونه أو الاقتراب من المجالات التي يترتب على الاضطلاع بها قدر كبير من المسؤولية سيما في غياب الإمكانات اللازمة لتحقيق ما ينبغي تحقيقه.
وإن شعوباً كثيرة وجدت نفسها في حالات من الحروب الداخلية والخارجية وطال أمد هذه الحروب ولكنها في نهاية المطاف لم تجد حلاً خصوصاً مع الداخل غير الوفاق الذي يراعي مصلحة الوطن قبل مصلحة الأشخاص وقبل مصلحة الأحزاب والمنظمات ذات الشأن في الحياة السياسية. وفي التجربة اللبنانية الأخيرة وما حققته من انفراج بعد سنوات من الصراع العنيف وانغلاق أبواب الحل بعيداً عن الوفاق العادل واستمرار الاقتتال الدموي قد يدفع في النهاية إلى تفكك هذه الأقطار وتجزئتها إلى دويلات وكانتونات لا يخدم وجودها سوى العدو الصهيوني ومن يقفون معه وشعارهم المعروف والمتداول هو: دعوا العرب يأكلون بعضهم بعضاً ويصنعون نهايتهم بأيديهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"