أول معلم

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

حين دخل الطالب إلى الفصل في أول يوم دراسي له، ورأى بقية الطلبة مع المعلم شاهد شيئاً غريباً على السبورة فسأل الطلبة الذين سبقوه بعدة أيام دراسية عن الذي كتبوه، فقالوا له هذه صورة، وليست كتابة، ثم بعد فترة قصيرة طلب منه المعلم إبراهيم العمل على التصحيح للطلبة وتذكيرهم بالدروس، بينما ينتهي هو من تصحيح واجب الطلبة اليومي، وخلال النصف الثاني من العام فوجئ المعلم بوالد الطالب الذي طلب نقل ابنه من مدينة العين إلى العاصمة أبوظبي فقال المعلم له: لينتقل الجميع ويبقى هو لأنه أفضل الطلبة عندي.

انتقل الطالب من مدينة إلى أخرى وأكمل عامه الدراسي الأول ثم توالت المراحل الدراسية حتى نهايتها، وهذا الطالب يواصل مسيرة التفوق ولايزال يتذكر موقف ذلك المعلم وحرصه الشديد على وجود الطالب النشيط، وعدم التفريط به، وبقيت هذه الحادثة حاضرة إلى هذا اليوم في ذاكرة ذلك الطالب لأنه كما يقال العلم في الصغر كالنقش في الحجر.
إن الفترة الأولى لدخول الطالب إلى المدرسة هي من أهم وأخطر المراحل في حياة الأبناء، وعلى ضوء ما يقابل هذا الطالب من أريحية ومحبة وإخلاص وتربية صادقة ستكون مراحله التالية أكثر إنتاجاً وأعمق محبة للدراسة، وكذلك إن وجد عكس ذلك فإنه ربما يتعب أهله ويؤدي ذلك إلى تدني مستواه الدراسي لاحقاً، ولذلك أطلقت «حملة ويا عيالنا» وهذه الحملة تحمل هدفاً نبيلاً يمهد لفتح باب من المحبة والطمأنينة للطالب حتى تزول عنه الرهبة الأولى بانتقاله من جو البيت الذي تربى فيه ورعاية الأبوين وتواجدهم معه إلى جو آخر لا يراهم بجانبه، ولذا فإن حضورهم معه في أول الأيام يمنحه دافعاً إلى حب الدراسة، وتعوداً على البيئة المدرسية والهيئة التدريسية وزملائه الجدد الذين سيعيش معهم ساعات النهار الطويلة بعد أن ترك الفراش والنوم الذي اعتاده خلال تلك الفترة.
إن تهيئة الظروف النفسية للطالب قبل بدء العام الدراسي الأول واصطحابه لشراء بعض مستلزمات الدراسة وأخذ رأيه في نوع ولون الحقيبة وفي شراء بعض أدوات التعليم الأساسية مثل السبورة والألوان والملابس وغيرها يسهم بشكل كبير في كسر حاجز الخوف الذي يعيشه وينتظره، ويجعله في فترة انتظار لما سيأتي، وبالتالي ستسهل المهمة الصعبة جداً على الأهل في جعل هذا الطالب يذهب إلى المدرسة من دون صداع رأس ولا ضغط مرتفع.
مازلت إلى هذا اليوم أتذكر ذلك المعلم في مدرسة سلطان بن زايد في مدينة العين ولايزال حديثه مع والد الطالب حاضراً أمامي، وكأنه اليوم ومع أهمية ذلك الجو الذي وجده الطالب في الجزء الأول من العام الدراسي، إلّا أنه ومن خلال حملة «ويا عيالنا» أصبح أكثر إدراكاً بأهمية دور الأسرة في هذه المرحلة الانتقالية الخطرة، وأصبح من الضروري على أولياء أمور الطلبة التواجد مع أبنائهم للتعود على أجواء الدراسة.
كنت أنا ذلك الطالب، وكان المعلم إبراهيم الذي لا أعلم عنه بعد تلك السنة شيئاً هو معلمي الذي تمسك بي، لكن ومع تلك الأهمية الكبيرة لدور ذلك المعلم إلّا أنه لا يعلم عن معلمي الأول الذي أسهم بشكل كبير ومؤثر في حبي للدراسة، وفي تفوقي فيها لدرجة جعلت المعلم يثق في قدرة طالب لايزال في الأشهر الأولى من العام الدراسي الأول.
شكراً معلمي الأول في المدرسة الذي أتذكر اسمه الأول فقط، وشكراً لمعلمي الأول، قبل الدراسة وبعدها، شكراً أبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"