قمة ترامب - بوتين .. فرص ضعيفة

03:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

إلى أشهر قليلة خلت، كان اللقاء بين الزعامتين الأمريكية والكورية الشمالية يحتاج إلى معجزة كي يتحقق، بينما قنوات الاتصال والتواصل مفتوحة ما بين واشنطن وكل من بكين وموسكو. الآن وفي ظروف الحرب التجارية الأمريكية التي تشمل الصين وروسيا، وتكاد تمتد إلى الاتحاد الأوروبي فإن عقد قمة أمريكية - روسية، بات يعتبر مجرد حدوثه إنجازاً خارقاً. ولا تتعلق الصعوبات بالجوانب الاقتصادية؛ بل تشمل قضايا مثل الاتفاق النووي الإيراني الغربي والوضع في أوكرانيا وفي سوريا وليس مستبعداً أن تشمل صفقة ترامب المسماة «صفقة القرن».
وكانت آخر قمة بين الزعيمين عقدت في نوفمبر الماضي قي فيتنام، على هامش منتدى آسيا والمحيط الهندي( أبيك) وسبقتها قمة في ألمانيا منذ زهاء عام. ورغم ما يبدو من تقارب شخصي بين بوتين وترامب، إلاّ أن علاقات بلديهما تشهد توتراً عالياً على خلفية مسائل عديدة منها التحقيقات حول تكهنات بتدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ويجيء اختيار العاصمة الفنلندية كمكان للقمة المرتقبة وليس موسكو أو واشنطن، كمؤشر على تأزم العلاقات الثنائية والحاجة إلى اختيار بلد ثالث للقاء الزعيمين.
وللتدليل على أهمية انعقاد قمة هلسنكي فقد أوفد البيت الأبيض مستشار الأمن القومي إلى موسكو للتحضير للزيارة، وهذا هو أول نشاط ذي أهمية للمستشار المتشدد بولتون خارج الولايات المتحدة.
وواقع الحال أن الخلافات بين الجانبين باتت أكثر تعقيدا ًمما كانت عليه في حقبة الحرب الباردة وانقسام العالم إلى معسكرين رأسمالي واشتراكي. إذ كانت الخلافات آنذاك أكثر وضوحاً وتتعلق بخفض مستوى التسلح النووي لدى الجانبين، ومنع الاحتكاكات بين حلفي الناتو ووارسو، أما في هذه الحقبة فالصراع يدور حول النفوذ بدون حمولة إيديولوجية.
ولم يعد خافياً أن عهد القطبين الكبيرين قد عاد بصورة أو بأخرى إلى عالمنا، إذ إن قطباً ثالثاً وهو الصين استعاد موقعه في التصدر والمنافسة ولكن من خلال النفوذ الاقتصادي التجاري، مكتفياً بنفوذه السياسي في بلدان آسيوية ومع اشتداد منافسته مع اليابان والولايات المتحدة، مع تعزيز علاقاتها بموسكو على قاعدة التشكك الاستراتيجي بالسياسة الأمريكية الكونية، فيما تراهن موسكو على التمدد العسكري وعلى صناعة الأسلحة وتصديرها، وتتحدى غريمتها واشنطن في سوريا وأوكرانيا، وتجهر بمطالبتها بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا. والراجح أن الأزمة السورية سوف تحتل موقعاً متقدماً في المباحثات المنتظرة بين الزعيمين في 16 يوليو تموز، ولهذا تسابق موسكو الزمن في محاولة حسم الموقف في جنوب سوريا، بينما تبدو واشنطن عاجزة عن وضع استراتيجية واضحة حيال أزمة هذا البلد، بما يعتبر امتداداً لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما.
فيما تراهن واشنطن على العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا حيال أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وإلى ضم دول جديدة إلى حلف الأطلسي، بينما تتطيّر موسكو حتى من انضمام دول أوروبية إلى الاتحاد الأوروبي.
والمفارقة في علاقات الزعيمين بوتين وترامب أن كليهما يبدو على توافق شخصي مع الآخر، فتربط بينهما علاقة تكاد ترقى إلى الصداقة، لكنهما يضمران العداء ويعلنانه ضد البلد الآخر. ولا يفكر أحد منهما بالاحتكام إلى الأمم المتحدة مثلاً، إذ إن الطرفين يتجاوزان الشرعية الدولية بغير تردد، كلما رأى أحدهما مصلحة لبلاده في ذلك. ولم تعد هناك كتلة عدم انحياز تتوسط بين معسكرين كبيرين، فبلدان العالم تقترب من موسكو وواشنطن أو تبتعد وفقاً للظروف الأمنية والاقتصادية لكل بلد، وغالبية دول العالم تؤثر المحافظة على علاقاتها مع البلدين الكبيرين، وكما هو حال الدول العربية مثلاً.
في ضوء ذلك لا تبدو هناك فرصة كبيرة لتحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. فكلا الطرفين على درجة ملحوظة من التشدد. وأجواء تسعينات القرن الماضي التي بشرت بنهاية الحرب الباردة ومرحلة الاستقطاب، باتت جزءاً من الماضي، وكاستراحة قصيرة لالتقاط الأنفاس قبل استئناف الصراع الذي استؤنف بالفعل مع عودة الطموح القومي الروسي، خلافاً للغرب ( ومن ضمنه دول كاليابان وأستراليا وكندا) وأياً وكأن الرأي في سياساته، والذي يعتبر أن تحسين الوضع من جميع الوجوه داخل بلدانه ومجتمعاته، هو الركيزة الأولى للإشعاع والنفوذ في الخارج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"