مجد الشعراء

01:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
للثقافة في منطقة الخليج العربي محيطها الهادر الذي تشكل منذ آلاف السنين، في هذه المنطقة التي عاشت انتعاشة في الشعر العربي الذي تدفق في وديانها وسرى في تخوم قبائلها، فكانت القصيدة هي مجد الشعراء ولواء القبائل ومنبت الفخر والعز والسؤدد، وظلت هذه الثقافة بكل بواعثها نثراً في الخطابة، وشعراً سارياً في دروب الحياة تحدد الإطار العام لطبيعة الإنسان في منطقة الخليج، فكانت هناك حضارات تمتد في الجنوب «عمان حالياً»، والحضارة البابلية أو حضارة دلمون «البحرين حالياً»، والحضارة الإسلامية التي كان مهادها «مكة المكرمة»، وظلت الثقافة الخليجية تتلاقح عبر حضارات عريقة تجلت فيها بعنفوان الحركات الأدبية التي جعلت للشعر العربي المكانة الأسمى والوجه الأنضر، حتى عرفت العربية أعظم شعرائها الذين شكلوا ديوان الشعر العربي في عصور الجاهلية والإسلام حتى هذا العصر، ومن المهم التوقف عند التيارات المختلفة التي جعلت الثقافة الخليجية في حالة من الازدهار والتطور والنمو من خلال اشتعال المسرح الأدبي، وتوارد الشعراء والخطباء واللغويين الكبار أمثال الجاحظ وأبي حيان التوحيدي وغيرهما من البلغاء والفصحاء.
وقد تعالت الثورة الشعرية التي ارتقت بالحرف العربي إلى مستويات فذة من التعابير البلاغية، التي لاتزال حتى وقتنا هذا حجة يستدل بها على عظمة اللغة العربية وعنفوانها، وما تزخر به من جذور لغوية واسعة، وامتدت هذه الثقافة لتشمل موضوعات مختلفة فتشعبت حركة الخطابة في عصر الدولة الإسلامية الزاهرة، حتى غدت الكلمة المنثورة قطعة نادرة من اللغة الدافقة التي تعبر عن كل أوجه الحياة، لكننا لا يمكن أن نغفل أبداً الوجه الآخر لبلاد النفط التي أنعم الله عليها بهذا الذهب الأسود، الذي منحها الوجود المتألق والزاد غير المحدود، وانتقل بها من مرحلة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ إلى عصر تنعم فيه بالرفاهية، فكانت الأشعار النبطية تتخطى حاجز الزمن وأصبحت القصيدة النبطية هي التي تؤرخ لمنطقة الخليج.
نعم استطاع شعراء الخليج الذين حملوا لواء اللهجة الدارجة أن يجسدوا ثقافتهم المتوهجة، وأن يرسموا بأقلامهم حروفاً من اللهجة المحكية، فأصبحت المنطقة كلها تتلاقح شعرياً وتتداخل من خلال الأنماط المختلفة التي شكلت المدارس الشعرية، ولكن الشيء اللافت على امتداد حركة الشعر في الثقافة الخليجية، أن المرأة توارت خلف أسماء مستعارة عندما كتبت الشعر، فهناك شاعرات احترفن الكتابة الشعرية ولم يعرف أحد بهن، حيث كانت القصائد تذيل بأسماء مستعارة، والدواوين الشعرية أيضاً تصدر بأسماء وهمية، كل هذه الإبداعات كانت متميزة وجديرة بالقراءة، غير أنها توارت خلف سياج العادات والتقاليد.

لكن، مع تطور المجتمعات الخليجية، أصبح صوت المرأة في الثقافة الخليجية له صداه وبريقه، وفي هذه الأيام نسمع عن أصوات حققت الكثير من النجاحات، خصوصاً عندما خاضت المرأة الخليجية تجربة المشاركة في المسابقات الشعرية الكبرى، وما أثار شجوني أنني قرأت منذ ما يقرب من عامين رواية لكاتبة خليجية لم تضع اسمها الحقيقي على الرواية، وعندما طالعت هذه الرواية وجدت أن الكاتبة ماهرة في استخدام اللغة وتعرف جيداً كيف توجه أفكارها، فقد خرجت الرواية من صوت أنثوي مبدع على الرغم من أن العمل كان مذيلاً باسم مستعار، وهو ما يوضح أنه لا تزال هناك بعض المبدعات الخليجيات لا يصرحن بالاسم الحقيقي، لكن يجدر بي أيضاً أن أنظر بعين الاحترام إلى الثقافة الخليجية المزدهرة في هذا العصر، والتي بلغت أوجها وقدمت أسماء في كل مناحي الأدب، هذه الأسماء تشكل حركة الثقافة الخليجية وتبعث فيها روحاً جديدة وتنسجم مع حركة التطور في العالم.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"