حين يكشر الرقيب عن أنيابه

على الوتر
02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

سبحان من يغير ولا يتغير .

كثير ممن، ومما حولنا يتغير ويبدل ملامحه، وما كان مرفوضاً بالأمس أصبح مطلوباً اليوم، والعكس صحيح .

وإذا كان الكثير من الساسة والإعلاميين والناس في مصر قد بدلوا قناعاتهم وغيّروا كلامهم بعد ثورة 25 يناير، فمن الطبيعي أن يغير التلفزيون المصري ملامحه، ويسعى للاستعانة بمذيعات ومراسلات محجبات، بعد أن وقف لهنّ بالمرصاد رافضاً ظهورهن على الشاشة متجاوزاً أحكاماً قضائية .

ومن المؤكد أن ذلك حدث بعد أن غيَّر لغة خطابه واستبدل مفرداته واستعان بمعجم لغوي جديد يختلف، بل ويتضاد مع المعجم الذي كان سائداً قبل العام 2011 .

وطالما أن التلفزيون تغير وتبدلت فيه القناعات، فلا بد أن ينعكس ذلك على جميع إداراته، بما في ذلك الرقابة التي تملك حقوق المنح والمنع لعرض الأعمال الفنية على شاشات قنواته، وهذا العام تعاملت مع المسلسلات التي كانت مرشحة للعرض الرمضاني بمعايير جديدة تتناسب وطبيعة المرحلة، وترضي مؤسسة الرئاسة، ولا تغضب الجماعة التي أصبحت صاحبة الكلمة العليا في البلاد .

من المسلسلات التي منعت الرقابة عرضها البحر والعطشانة للسينارست محمد الغيطي والمخرج وائل فهمي عبدالحميد، بعد الإعلان عن عرضه وبث لقطات ترويجية له، واتضح أن السبب هو أن إحدى شخصياته الدرامية هي لرجل دين ونائب في البرلمان يستغل الدين لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية، وهو ما أثار خوف الرقباء من أن يغضب جماعة الإخوان المسلمين، حسب ما أعلنه مؤلف المسلسل .

الغريب أن المسلسل تدور أحداثه في مصر ما قبل 25 يناير ويحاول إلقاء الضوء على أنماط من الفساد السياسي والاقتصادي التي دفعت إلى قيام ثورة 25 يناير، كما يضيء على برلمان 2005 وتزوير إرادة الناخبين في برلمان 2010 .

وبعد أن قدمت الشاشة خلال السنوات الماضية مسلسلات عن حياة عدد من الفنانين والفنانات، وفي ظل سياسة التغيير، تم رفض عرض مسلسل كاريوكا الذي يتناول قصة حياة تحية كاريوكا من دون تركيز على دورها كراقصة، ولكن على دورها السياسي والاجتماعي والمعاناة التي عاشتها في بداية حياتها، ويبدو أن قرار المنع جاء استجابة للدعوى القضائية التي رفعها بعضهم لمنع عرضه، وتهديدات بعض أصحاب الصوت العالي للمسلسل .

في المقابل، نجد مسلسلاً مثل أم الصابرين الذي يتناول سيرة الداعية الإخوانية زينب الغزالي قد حظي باهتمام كبير، حيث دخلت على خط إنتاجه شركة مدعومة، وحاولت العبث والتدخل في النص بما يشوه صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لمصلحة الإخوان، وهو ما خلق أزمة مع المؤلف والمخرج أدت إلى عدم استكمال التصوير، وهو ما أدى حتماً إلى وقف عرض المسلسل الذي كانت قد عرضت منه عدة حلقات على أكثر من قناة تابعة للتلفزيون المصري .

وإذا كان التلفزيون قد فتح أبوابه وشاشاته لما يتوافق مع الفكر الجديد، وصادر أي عمل ينتقده، فإن ذلك ينذر بمستقبل مظلم للفن وللحريات بشكل عام، خصوصاً أن ذلك يعد سابقة حيث لم يصادر عمل فني في عهد عبدالناصر الذي انتصر لفيلم شيء من الخوف بعد أن رفضته الرقابة، وهو مدرك أنه ينتقده هو شخصياً، وكذلك لم يصادر فيلم ضد الانفتاح في عهد السادات، ولم يصادر عمل فني ضد الفساد في عهد مبارك، بل إن السينما والمسرح والتلفزيون كانت تنتقد الفساد وزواج المال والسلطة في معظم الأعمال المنتجة خلال السنوات الماضية، أما سياسة المنع وأن يكشر الرقيب عن أنيابه ويفتح مقصه ليقص كل من لا يتوافق مع سياسة وهوى الحكام الجدد، فهو أمر ينذر بالكثير من الخطر على المستقبل .

التلفزيون المصري كان شاشة العرب في الماضي، وكان الناس من المحيط إلى الخليج ينتظرون ما يعرض على شاشته، ويحاولون التقاطه بأي شكل ليستمتعوا به، وخلال السنوات الماضية تغيرت الصورة وانصرف عن التلفزيون المصري أبناؤه بعد أن تحول إلى وسيلة إعلامية لنظام في زمن التعددية والفضائيات، وفي حال استمراره على النهج ذاته فستفقد هذه الشاشة جمهورها وتصبح مجرد صندوق واسم لماضٍ عريق .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"