عادي

جيل دولوز.. الفلسفة ليست للجميع

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
1701

الشارقة: علاء الدين محمود
يجد محبو الفلسفة صعوبة كبيرة في استيعاب مفاهيم ومؤلفات العديد من فلاسفة العصر الحديث من أمثال: ميشيل فوكو، وجاك دريدا، وهابرماس، وألتوسير، وآلان باديو.. وغيرهم، وبعضهم يظل يبحث عن الكتاب الذي يمكن أن يشكل العتبة والبداية الحقيقية للدخول في عوالم أحد هؤلاء؛ إذ إن هناك مؤلفات تعتبر بالفعل مفتاحية وتقود القارئ نحو مبتغاه.

كان الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، «1925 1995»، ضمن الذين عملوا على تحقيق الحلم الخاص بالفلسفة؛ أي أن تصبح شعبية وفي متناول الجميع، ومع ذلك فإن مؤلفاته تعد من أصعب الكتب الفكرية، ولم تتخلص من الكثير من الغموض، على مستوى المصطلحات، والسمات الأكاديمية التي لازمتها، والمفارقة أن مؤلفاته ظلت عصية حتى على من نالوا قدراً جيداً من العلم، وهو ما أكده بنفسه عندما قال معلقاً على الآراء حول مؤلفه «ضد أوديب»: «أولئك الذين لاقوا صعوبة في هذا الكتاب، هم الذين يحظون بقدر كبير من المعرفة، والمعرفة التحليلية على الخصوص»، والواقع، أن دولوز كان يرى بضرورة أن ينخرط الفيلسوف في الشأن العام، ويشارك في قضايا المجتمع، لذلك كان حريصاً على أن تفهم فلسفته.

«ألسنة الحال... 1972 1990»، هو أحد مؤلفات دولوز، التي تؤدي إلى فهم أهم جوانب فلسفته والإحاطة بمصطلحاته الصعبة، ومفاهيمه الغامضة، فذلك الكتاب يقود القارئ خطوة خطوة داخل حديقة دولوز، فالكتاب يستعرض معظم مؤلفاته التي كتبها منفردا، أو تلك التي اشتغل عليها برفقة صديقه فيليكس غوتاري، وقد استهل دولوز الكتاب بمقدمة شرح فيها معنى عنوان المؤلف «ألسنة الحال»، وكما تقول مقدمة الطبعة العربية من الكتاب، فإن القراء يسمعون عبر الكتاب صوت دولوز يخاطبهم بصورة مباشرة، أكثر من أي كتاب آخر، ففيه يتحدث ليس عن مفاهيمه الخاصة واستراتيجيته الفلسفية وحسب؛ بل وكذلك عن معنى «الحياة الفلسفية»، وما تنطوي عليه من حب وإعجاب حيال معاصريه من الفلاسفة، وكذلك فإن الكتاب يطوف في قضايا القرن الماضي والعصر الراهن ويجيب عن أسئلته، وهو يعمل في ذات الوقت على أن يخلو الحديث من الغموض ولا يقود إلى الالتباس.

من المفارقات الغريبة، أنه على الرغم من المكانة الكبيرة لدولوز، وعلى الرغم من تناوله لقضايا فلسفية، معاصرة وتاريخية غاية في الأهمية، غير أن مؤلفاته لم تعرف على نطاق واسع، مقارنة بكثير من الفلاسفة الآخرين في عصرنا الراهن، فمن الواضح أن هناك جداراً ظل يحول دون الاقتراب من فلسفته، ومن أهم العوامل التي جعلت ذلك الجدار يكبر ويهدم رغبة دولوز الشخصية في جعل أفكاره متاحة، هي تلك اللغة الصعبة والعالية التي يستخدمها الرجل، إضافة إلى مصطلحاته الغامضة والتي تعتبر جديدة في عالم الفلسفة، لكن صعوبة فلسفة دولوز لم تمنع القراء من سعيهم الحثيث في البحث عن منفذ إليه، وبطبيعة الحال، فإن ذلك المسعى هو أمر مبرر تماماً، فدولوز يعد من الوجوه الفكرية الأكثر إثارة للجدل وأحد أهم رموز الفلسفة المعاصرة.

والواقع أن الرجل أراد الخروج من عباءة الفلسفة التقليدية التي كانت في حقيقتها تاريخاً للأفكار أكثر من كونها تنظيراً فكرياً جديداً، وذلك ما أشار إليه عندما وصف نفسه، وزملاءه من المفكرين المعاصرين، في الكتاب، بأنهم حاولوا أن يخلصوا الفلسفة من الحمولة التاريخية الثقيلة، عندما قال: «يمارس تاريخ الفلسفة على الفلسفة دوراً قمعياً لا يحتاج إلى دليل، و كثيرون لم يستطيعوا أن يخرجوا من هذا الأمر سالمين، وآخرون تمكّنوا من ذلك بابتكار طرقهم الخاصة وإبداعهم قواعد مختلفة، ونبرة جديدة»، ومن الواضح أن تلك «الطرق الخاصة»، و«القواعد المختلفة» و«النبرة الخاصة»؛ أي اللغة، هي المسؤولة عن الغموض في فلسفة دولوز.

الطريف في الأمر، أن ما دفع دولوز إلى شرح أفكاره في الكتاب، هو غضبه تجاه أحد الذين انتقدوه بسبب غموضه النقاد؛ حيث خصص له فصلاً كاملاً في الكتاب بعنوان «رسالة إلى ناقد قاس»، وربما سيكون القارئ شديد الامتنان لذلك الناقد الذي جعل دولوز، لا يقدم شروحاً مستفيضة لأعماله فقط؛ بل ورحلته مع تلك المؤلفات، والظروف والملابسات التي أدت إلى ولادة المصطلحات والمفاهيم الجديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"